مع مرور الوقت، يواصل الاحتلال الإسرائيلي الكشف عن تحركاته لتجنب تحمل مسؤولية إدارة قطاع غزة، مستعينًا بتنسيق مع عدد من الدول العربية، وسط محاولات لإيجاد جهة تتولى زمام الأمور بعد الحرب، ومع ذلك، فإن رفض الاحتلال القاطع لعودة حركة حماس إلى الحكم قد يكون قرارًا مكلفًا سياسيًا وعسكريًا.
من يحكم غزة؟
في هذا الإطار، أفاد وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، بأن إسرائيل بحاجة إلى تسخير القوى الإقليمية لإدارة القطاع، منوهًا بأن الاعتماد على القدرات الذاتية فقط لن يكون كافياً.
ومن جانبه، أكد الكاتب الإسرائيلي جلال البنا في صحيفة "يسرائيل هيوم"، إن تصريحات ديرمر، وهو أحد أقرب المقربين لرئيس الوزراء الإسرائيلي وأكثر الشخصيات تأثيرًا في السياسة الإسرائيلية، تتماشى مع موقف الإدارة الأميركية، التي ترى أن إسرائيل لا يمكنها المضي بمفردها، بل يجب أن تتلقى دعمًا من أطراف أخرى، بما في ذلك السلطة الفلسطينية وعدة دول عربية، مثل مصر والأردن والإمارات.
كما أشار "الكاتب الإسرائيلي"، إلى أن السعودية تعمل خلف الكواليس على تمويل هذه التحركات والتأثير فيها.
تنسيق سري وتحركات غير معلنة
وشدد "الكاتب الإسرائيلي"، على أنه منذ بداية الحرب، كان هناك إدراك واضح بأن إسرائيل بحاجة إلى وضع تصور لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، وبالفعل، جرت محادثات سرية بين إسرائيل وعدد من الدول، لكن هذه النقاشات لم تعرض على الجمهور الإسرائيلي أو تطرح للنقاش السياسي، حتى لا تؤثر على استقرار الائتلاف الحاكم.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تنفي بشكل علني ومستمر وجود خطة واضحة لمرحلة "اليوم التالي"، أشار "الكاتب"، إلى أنه "حتى الآن، نفت إسرائيل فكرة اليوم التالي، وأعطى الانطباع بأن هناك مخاوف من أن يكون هناك يوم آخر للجمهور الإسرائيلي، بمعنى أنه سيبقى في القطاع، وربما حتى البقاء هناك عسكريا، ولكن طالما أن الأمر يعني رعاية مليوني فلسطيني، فمن الصعب أن ننسى أن قطاع غزة كان عبئا على كل من حكمه، حتى مصر قبل عام 1967".
حماس باقية رغم الدمار
وبالرغم من الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، وخسارة حركة حماس لعدد كبير من قياداتها وبنيتها التنظيمية، إلا أنها لا تزال تقدم نفسها كجهة صامدة ومنتصرة، وتسعى لاستعادة قدراتها بسرعة كبيرة.
وفي سياق متصل، لفت "البنا"، إلى أن الاحتلال يتصل بشركائه المحتملين في إعادة إعمار قطاع غزة، فإنه في هذه الأيام، يعمل مع الأنظمة العربية في المنطقة، ومن المؤكد أنه سيواصل العمل مع الإدارة الأميركية الجديدة، لاستخراج وإزالة كل المسؤولية المدنية من نفسه، لكن هذا يتطلب أيضا ثمنا باهظا منه، أهمها استعادة السلطة الفلسطينية لسيطرتها على القطاع".
وأوضح "البنا"، أن "أي جهة عربية أو أوروبية أو أميركية لن تقدم على إرسال جنودها إلى شوارع قطاع غزة، وحتى لو حدث ذلك، فلن يكون أمام الاحتلال الإسرائيلي أي خيارات أخرى سوى القبول بشروط تفرض عليه أثمانًا سياسية وأمنية.
وأردف "البنا"، أنه فبعد مرور أكثر من عام وثلاثة أشهر من الحرب العنيفة والممتدة، لا تزال حركة حماس تفرض سيطرتها على القطاع، بل وتضع شروطًا ومطالب واضحة، وهو ما انعكس بوضوح من خلال خروج الآلاف من أعضائها في مسيرات داخل غزة، علاوة على الشرط الذي وضعته الحركة بشأن السماح للمصابين من عناصرها بالسفر للعلاج في الخارج، مما يؤكد أن حماس لم تُهزم".
حماس تستعيد توازنها رغم الخسائر
ورغم الدمار واسع النطاق والخسائر البشرية الكبيرة التي تعرضت لها غزة، وفقدان حماس للعديد من قادتها وهياكلها التنظيمية، فإنها لا تزال تقدم نفسها كقوة صامدة وانتصرت في هذه الحرب، كما أن جميع المؤشرات تدل على أن الحركة ستعمل خلال العام أو العامين المقبلين على إعادة بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية بوتيرة سريعة، ما يعزز حضورها في المشهد الفلسطيني مجددًا.
تداعيات رفض إسرائيل لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة
اختتم حديثه بالإشارة إلى أن إصرار إسرائيل على منع السلطة الفلسطينية من استعادة السيطرة على القطاع قد يؤدي إلى تداعيات مكلفة على عدة مستويات:
-
تعزيز موقع حماس، حيث سيظل لديها الدعم اللازم لإعادة ترتيب صفوفها عسكريًا وسياسيًا.
-
خلق فراغ إداري في غزة، مما يهدد بمزيد من الفوضى في ظل غياب أي سلطة مدنية قادرة على تسيير شؤون القطاع.
-
تعقيد جهود التطبيع بين إسرائيل والسعودية، إذ قد تشترط الرياض تسوية سياسية واضحة للوضع في غزة قبل المضي قدمًا في أي اتفاق.
-
توتر العلاقات مع إدارة ترامب، حيث قد تعتبر واشنطن أن الموقف الإسرائيلي المتشدد يعرقل أي حل دبلوماسي للصراع، مما ينعكس سلبًا على العلاقة بين الطرفين.