في ظل التطورات المتسارعة في قطاع غزة، تبذل الدول العربية جهودًا حثيثة لتشكيل رؤية موحدة لمواجهة الطروحات الأميركية المدعومة من إسرائيل بشأن مستقبل القطاع.
وجاءت هذه التحركات بالتزامن مع دعوة المملكة العربية السعودية إلى عقد قمة عربية مصغرة غير رسمية في الرياض،، تحضيرًا للقمة العربية الطارئة المزمع عقدها في القاهرة.
قمة عربية مصغرة في الرياض
وفي هذا الإطار، أشار المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية، سالم اليامي، إلى أن اللقاء الذي عقد في الرياض ابتعد عن الطابع الرسمي التقليدي، مما أتاح مساحة أوسع للنقاش حول القضايا الملحة، وفي مقدمتها الحرب في غزة وعمليات التهجير التي يتعرض لها الفلسطينيون.
وأوضح "اليامي"، أن المملكة تسعى إلى تمهيد الأرضية لتوحيد الموقف العربي، على أن يتم بلورته بصورة أوسع خلال القمة العربية المقبلة.
اقرأ أيضًا:
- الرئيس يكشف ملامح الرؤية الفلسطينية لمستقبل غزة في القمة العربية
- بعد التأجيل.. مصر تعلن عن الموعد الجديد لانعقاد "القمة العربية الطارئة"
الخطة العربية البديلة لإعمار غزة دون تهجير
والجدير بالإشارة أن الرؤية العربية تتمحور حول إعادة إعمار غزة مع التأكيد على رفض تهجير سكانها، علاوة على التمسك بحل الدولتين كمدخل لتحقيق الاستقرار، ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في كيفية تحقيق هذا الهدف وسط الضغوط الأميركية والإسرائيلية لإعادة رسم خريطة القطاع وفقًا لأولوياتهم السياسية والأمنية.
إسرائيل بين الفشل العسكري والبحث عن حلول أمنية
ومن جهته، أكد الخبير في الشؤون الأمنية والسياسية، اللواء عدنان الضميري، أن الموقف العربي الحالي أكثر تماسكًا من أي وقت مضى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما يمثل نقطة قوة يجب استثمارها سياسيًا.
ولفت "الضميري"، إلى أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لم تتمكن من تحقيق أهدافها السياسية، حيث اعتادت على فرض الحلول الأمنية بدلًا من السعي نحو تسوية سياسية عادلة.
وأردف "الضميري"، أن تل أبيب خاضت 14 حربًا خلال 76 عامًا، لكنها لم تحقق انتصارًا سياسيًا حقيقيًا، معتبرًا أن الدعم الذي تتلقاه من إدارة ترامب يهدف إلى فرض حلول أمنية بديلة عن الحل السياسي، وهو نهج أثبت فشله مرارًا.
كما كشف "الضميري"، عن وجود توجه داخل بعض الأوساط الفلسطينية والعربية لاستبعاد حماس من أي دور مستقبلي في إدارة غزة، واستبدالها بشخصيات فلسطينية مستقلة أو حكومة تكنوقراط تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية.
وأوضح "الضميري"، أن الهدف من هذا التوجه هو تجاوز الخلافات الداخلية التي أضعفت الموقف الفلسطيني، وقطع الطريق أمام أي ذرائع إسرائيلية لإطالة أمد الحرب.
العرب في مواجهة خطة ترامب
وفي المقابل، تزداد التساؤلات حول هل تملك الدول العربية القدرة على فرض رؤيتها في ظل الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل؟
وبدوره، أشار الكاتب والباحث السياسي إيلي يوسف، إلى إن التأثير على الموقف الأميركي أو دفع واشنطن إلى تغيير سياستها يعد أمرًا بالغ الصعوبة، موضحًا أن مؤتمر الجمهوريين المحافظين الأخير أكد بوضوح أن الإدارة الأميركية لا تعتزم التراجع عن مشروع ترامب، بل تضع الفلسطينيين أمام خيارين؛ القبول بواقع صعب، أو الحصول على وعود بتحسين الأوضاع الاقتصادية دون أي تغييرات سياسية جوهرية.
وتابع "الباحث السياسي"، أن الولايات المتحدة لا تزال تتعامل مع الأزمة في غزة من منظور إنساني وليس سياسي، وهو ما يتعارض مع الرؤية العربية التي تعتبر القضية الفلسطينية جزءًا أساسيًا من المعادلة الإقليمية.
وأكد "الباحث السياسي"، أن استمرار الانقسام الفلسطيني أضعف قدرة العرب على فرض موقفهم، مما أتاح الفرصة لإسرائيل وواشنطن للمضي قدمًا في تنفيذ خططهما دون مقاومة سياسية مؤثرة.
هل ينجح العرب في فرض رؤيتهم بشأن إعمار غزة؟
ويبقى السؤال الأهم، هل تستطيع الدول العربية إفشال خطة ترامب وفرض رؤيتها على المجتمع الدولي؟، وفي هذا السياق، تشير التحركات العربية إلى رغبة جادة في تشكيل جبهة موحدة، لكن نجاح هذا المسعى يعتمد على عدة عوامل، أبرزها:
-
قدرة العرب على حشد دعم دولي لموقفهم السياسي، خصوصًا في ظل المتغيرات الجيوسياسية التي قد تؤثر على مواقف بعض القوى الكبرى.
-
التوافق الفلسطيني الداخلي، حيث يُعتبر الانقسام المستمر أكبر العقبات أمام أي تحرك عربي فاعل.
-
الضغط على واشنطن باستخدام ملفات المصالح المشتركة، لجعلها تدرك أن تجاهل الرؤية العربية قد يضر بعلاقاتها الاستراتيجية في المنطقة.
رهان على التغيرات الجيوسياسية
والجدير بالذكر أن الدول العربية تدرك جيدًا أن مواجهة المشروع الأميركي-الإسرائيلي ليست مهمة سهلة، لكنها تراهن على أن التغيرات الجيوسياسية قد تخلق فرصًا جديدة لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي، مما قد يمكنها من تحقيق النجاح وقلب المعادلة لصالح الفلسطينيين، ولو جزئيًا.