كشفت صحيفة الغارديان البريطانية ومجلة +972 عن استخدام وكالة المراقبة العسكرية الإسرائيلية لمجموعة واسعة من الاتصالات الفلسطينية التي تم اعتراضها، بهدف تطوير أداة ذكاء اصطناعي متقدمة شبيهة ببرنامج ChatGPT، لتعزيز قدراتها التجسسية.
ووفقًا للتحقيق، قامت الوحدة 8200، المختصة بالاستخبارات الإلكترونية، بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي على تحليل اللغة العربية المنطوقة، مستندة إلى كميات هائلة من المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تم جمعها من خلال مراقبتها المستمرة للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبحسب مصادر مطلعة، يهدف المشروع إلى تطوير أداة قادرة على تقديم معلومات تحليلية حول الأفراد المستهدفين، عبر معالجة الكم الهائل من البيانات التي تجمعها الوحدة. وأشارت المصادر إلى أن العمل على النموذج تسارع بعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، فيما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد تم تشغيله فعليًا.
وجرى الكشف جزئيًا عن هذا المشروع خلال محاضرة ألقاها مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق، شاكيد روجر جوزيف سيدوف، في مؤتمر عسكري حول الذكاء الاصطناعي العام الماضي في تل أبيب، حيث تحدث عن جهود الوحدة 8200 لإنشاء أكبر قاعدة بيانات باللغة العربية على الإطلاق، مشيرًا إلى أن تدريب النموذج تطلب "كميات هائلة" من البيانات.
وأكد ثلاثة مسؤولين استخباراتيين سابقين على دراية بالمشروع وجود البرنامج، موضحين تفاصيل بنائه. كما كشف مصدر مطلع على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي في الوحدة 8200 أن التقنية الجديدة توسّع قدرات المراقبة إلى ما هو أبعد من تعقب العمليات المسلحة، لتشمل مراقبة نشطاء حقوق الإنسان والبناء الفلسطيني في الضفة الغربية، ما يمنح إسرائيل أدوات إضافية لمراقبة الأوضاع هناك.
ويسلط التحقيق الضوء على قدرة الوحدة 8200 على الاحتفاظ بمحتوى واسع من الاتصالات الفلسطينية، استنادًا إلى مراقبة مكثفة للاتصالات، كما يُظهر كيف تستفيد أجهزة الاستخبارات من التطورات في الذكاء الاصطناعي لأداء مهام تحليلية معقدة، ما يسمح بمعالجة كميات هائلة من المعلومات التي يصعب على العنصر البشري التعامل معها بمفرده.
إلا أن خبراء في حقوق الإنسان حذروا من المخاطر المحتملة لهذه التقنية، حيث قد تؤدي إلى تعزيز التحيزات وارتكاب أخطاء خطيرة، خاصة مع صعوبة التحقق من كيفية توصل الذكاء الاصطناعي إلى استنتاجاته.
وفي هذا السياق، أعرب زاك كامبل، الباحث في هيومن رايتس ووتش، عن مخاوفه من أن تستخدم إسرائيل هذه الأداة لاتخاذ قرارات تمس حياة الفلسطينيين. وقال: "إنها مجرد آلة تخمين، وقد تُستخدم هذه التخمينات لتجريم أشخاص دون مبرر".
ورفض متحدث باسم الجيش الإسرائيلي الرد على استفسارات الغارديان حول المشروع، مكتفيًا بالقول إن الجيش "يستخدم أساليب استخباراتية متنوعة لمنع الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها المنظمات المعادية في المنطقة".
ويعد هذا المشروع امتدادًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث استخدمت الوحدة 8200 أنظمة مثل The Gospel وLavender خلال الحرب على غزة، ما أسهم في تنفيذ غارات جوية واسعة النطاق.
وبعد إطلاق OpenAI برنامج ChatGPT عام 2022، سعى خبراء الاستخبارات في الوحدة 8200 إلى تطوير أداة مشابهة قادرة على تحليل المحادثات العربية. لكنهم واجهوا تحديات في البداية بسبب نقص البيانات الملائمة، إذ إن النماذج المتاحة كانت مدربة على اللغة العربية الفصحى، وليس اللهجات العامية المستخدمة في فلسطين ولبنان.
ولتجاوز هذا التحدي، قامت الوحدة بجمع وتخزين كميات ضخمة من الاتصالات المعترضة، بما في ذلك محادثات يومية غير مرتبطة بالأمن، في محاولة لتطوير نموذج قادر على فهم اللهجات المحلية. ووفقًا لمصدر مطلع، فإن هذا المشروع استند إلى "100 مليار كلمة" تم جمعها من محادثات اعترضتها الاستخبارات الإسرائيلية.
وأفاد سيدوف بأن الفريق المسؤول عن تطوير الأداة ركّز على "اللهجات التي تكرهنا"، بينما سعت الوحدة أيضًا إلى تدريب النموذج على التعرف على المصطلحات العسكرية الخاصة بالجماعات المسلحة.
وبحسب التحقيق، فإن استخدام البيانات الشخصية للفلسطينيين في تدريب الذكاء الاصطناعي يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية. واعتبر كامبل من هيومن رايتس ووتش أن هذا "انتهاك واضح لحقوق الإنسان"، مشيرًا إلى أن إسرائيل، كقوة احتلال، ملزمة قانونيًا بحماية خصوصية الفلسطينيين.
وأكد نديم ناشف، مدير مركز حملة، أن الفلسطينيين "تحوّلوا إلى مادة تجريبية لتطوير وتسليح هذه التقنيات، في إطار منظومة تهدف إلى فرض السيطرة والرقابة عليهم".
ويشير التحقيق إلى أن الوحدة 8200 تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في عملياتها داخل الضفة الغربية، ما يسهم في تعزيز المراقبة والاعتقالات. وقال مصدر استخباراتي إن النظام الجديد يسمح بتحديد الفلسطينيين الذين يعبرون عن غضبهم من الاحتلال، أو أولئك الذين يُشتبه في نيتهم مهاجمة الجنود والمستوطنين.
كما كشف مصدر آخر أن تقنيات الذكاء الاصطناعي مكّنت الجيش الإسرائيلي من التصرف بناءً على معلومات أوسع نطاقًا، ما ساهم في تعزيز السيطرة على الفلسطينيين، مستغلًا قلة القيود المفروضة على عمل الوحدات الاستخباراتية.
وتعليقًا على ذلك، أشار أوري جوشن، المؤسس المشارك لشركة AI21 Labs، إلى أن هذه التقنيات تسمح بالاستخلاص التلقائي للأنماط والارتباطات من كميات ضخمة من البيانات، لكنه حذر من أن النماذج قد تنتج أحيانًا استنتاجات غير دقيقة، أو ما يُعرف بـ"هلوسة الذكاء الاصطناعي".
كما أكدت بريانا روزن، الباحثة في جامعة أوكسفورد والمسؤولة السابقة في الأمن القومي الأميركي، أن هذه الأنظمة قد تساعد محللي الاستخبارات على اكتشاف التهديدات المحتملة، لكنها في الوقت نفسه قد تؤدي إلى أخطاء جسيمة بسبب غموض آلية استنتاجاتها.
ورغم محاولات الغارديان الحصول على ردود من الجيش الإسرائيلي حول كيفية تجنب أخطاء هذه الأنظمة، إلا أنه لم يصدر أي توضيح بهذا الشأن.