غزة/ البوابة 24- ريم سويسي:
يعيش أحمد أبو لحية شعورًا مختلطًا بين الفرحة والصدمة، ويسأل نفسه: "يا رب ما الحكمة؟"، كلما نظر إلى وجه زوجته الحامل بطفله بعد ثماني سنوات من الحرمان.
"بعد عقم سنوات، حملت زوجتي في الحرب" يقول مستغربًا، وقد أمضيا فترةً طويلة في المحاولات والعلاج، والتنقل بين الأطباء بعد إنجاب ابنتهما البكر، مردفًا: "بدون أي مقدمات، ولا أي علاج، حملت زوجتي في الحرب".
يضيف أحمد (7 4 عامًا) لـ"البوابة 24": "أكبر الأطباء في غزة صارحوني بأن تكرار الحمل صعب للغاية، وأن قدرتي على الإنجاب باتت ضعيفة جدًا. عشت صدمةً كبيرة، لكنها ليست أكبر من صدمتي بحمل زوجتي الآن".
لا يخفي الرجل أنه كان يتمنى حدوث "هذه المعجزة" في وقتٍ غير وقت الحرب، "وقتٌ لا يحيط به الموت بأشكاله أهل المدينة، حتى إن كانوا أجنّة في بطون أمهاتهم"، لكنه يستدرك: "هذا قدر الله، سعادتي بهذه النعمة لم تنقص أبدًا، وها أنا أنتظر أن تضع زوجتي طفلنا بعد شهر واحد".
يراجع أبو لحية نفسه، كلما شرد بذهنه قليلًا، ويسأل نفسه: "ماذا فعلتُ في هذه الحرب كي يكرمني الله بهذه الهدية؟"، ثم يتذكر أنه آوى نازحين لجأوا إليه تحت النار. يتذكر أنه لم يبخل عليهم بما أعطاه الله من استطاعة، ويبكي فرحًا.
"لم تكن تدري"
في الحرب، اختارت المعجزات ندى أيضًا. السيدة التي تبلغ من العمر (33 عامًا)، التي مشت من جنوبي قطاع غزة، حيث كانت نازحة، إلى شمالي القطاع بعد إعلان وقف إطلاق النار، مسافة لا تقل عن 7 كيلومترات، دون أن تعلم أنها حامل، بعد 12 عامًا من الانتظار.
تقول ندى: "عندما عرفت، وضعت يدي على بطني، وكتمت صرخة، وعدت بذاكرتي مباشرة إلى الطريق الذي مشيته، كيف استمر الحمل بعد هذا التعب؟"، مردفةً بابتسامة: "هذه حكمة الله، لو أراد له الأذى لما أعطاني إياه في هذا التوقيت بالذات".
وتزيد: "لم يحدث الحمل حين كنت ملكة في بيتي. في قمة الراحة، عندي كل ما أشتهيه، وحدث في الخيمة!"، متابعةً برضا: "هذا لأننا صمدنا. هذه هدية الله لنا وعوضه بعد كل ما عشناه من تعب".
تحكي السيدة التي رفضت ذكر اسم عائلتها، عن أمنياتها لطفلها القادم: "ألا يرى حربًا أبدًا. أن يعيش مثل أطفال العالم بسلام. أن ينعم بحقوقه، وألا أخاف من فقده تحت صارخ، أو أمام دبابة".
تعود إلى يوم اكتشاف حملها، وتكمل: "عندما وصلت إلى بيتي في حي الشيخ رضوان، شعرت بصداعٍ شديد، ودوخة. كان موعد دورتي الشهرية قبل أسبوع، لكنها لم تزرني كالعادة، وظننت أن ذلك بسبب الخوف من طريق العودة، أو التوتر الشديد في اللحظات الأخيرة من إبرام اتفاق وقف إطلاق النار".
تضحك وتكمل: "يا الله تلك اللحظة. كانت لحظة لا أنساها عندما أخبرني الموظف في المختبر بأن النتيجة إيجابية، وحين أكد لي الطبيب وجود الجنين وصحته الجيدة".
حملت بمعجزة وأجهضت بسبب الخوف!
على الضفة الأخرى من لوحة المعجزات هذه، يقف ربيع، الذي اكتفى بذكر اسمه، حزينًا، يسأل نفسه هو الآخر عن حكمة الله فيما حدث. يقول: "بعد عشر سنوات من الحرمان، ومحاولات الإنجاب، حملت زوجتي في الحرب. كانت فرحتنا لا توصف، لكن الفرحة لم تكتمل، فبعد أربعة شهور من الحمل أجهضت زوجتي أثناء نزوحنا من النصيرات وسط قطاع غزة نحو رفح جنوبًا. قتل طفلي الخوف، وهذا لا ألوم به إلا الاحتلال".
ويضيف: "تمنيت لو أن فرحتي اكتملت، لكن مشيئة الله هي الغالبة والحمد لله".
"الخوف يرد الخوف"
وترجع بعض العجائز حمل السيدات بعد سنوات من الانتظار فجأة، إلى زوال العائق الذي كان يمنع الحمل، وغالبًا ما كانوا يربطونه بالخوف.
وهذا ما يؤكده السبعيني أحمد أبو شمالة، أحد رواد الطب الشعبي جنوبي قطاع غزة. يقول: "هناك الكثير من الحالات التي حدث فيها حمل بعد سنوات من العقم بعد قطع الخوفة" (تدليك بزيت الزيتون، يتم لمناطق معينة في الجسم تتجمع فيها الغدد اللمفاوية، يخفف من تيبّسها نتيجة خوف تعرض له الإنسان فجأة).
ويضيف: "هناك حالات لم يعرف لها الطب علاج، وقد تكون مشكلتها أبسط مما نتخيل! بالفعل، يمكن أن يردّ الخوف خوفًا، يمكن أن يعالج خوف لاحق، آثار خوف سابق كان سببًا في منع الحمل"، مردفًا: "وما عايشناه في هذه الحرب كافٍ لحدوث ذلك".
"قد تكون الحرب سببًا كبيرًا"
بينما تعلق الدكتورة رغد أبو اللبن، طبيبة النساء والولادة على الأمر بقولها: "هناك حالات كثيرة كانت تعاني من العقم، رغم ذلك حدث لديها الحمل في الحرب".
وتكمل: "السمنة أول الأسباب في منع الحمل، والحرب والتجويع انعكست بآثارها على أجساد الغزيين، وكما أنها أثرت سلبًا على الأجساد الطبيعية، كان لها دورها في تخفيف مشاكل السمنة لدى أصحاب الأوزان الزائدة، وبالتالي تجعلها عرضة للحمل أكثر من ذي قبل".
وتزيد: "أيضًا منسوب السكر إذا اختلف، تختلف معه إمكانية حدوث الحمل، فحين يتحسن منسوب السكر تتحسن نوعية وأداء الجسم".
وتختم حديثها بالقول: "أيضًا ربما بسبب الحركة والمجهود، كما حصل أثناء النزوح. هذا الأمر أيضًا يساعد في تهيئة الرحم للحمل، في نفس الوقت، هذا المجهود تسبب بحدوث الكثير من الإجهاضات لحوامل في غزة".