تواصل إسرائيل عملياتها داخل قطاع غزة وفق خطة دقيقة تعتمد على استراتيجية "القضم التدريجي"، حيث تستمر في توسيع هجومها العسكري بوتيرة بطيئة ومحسوبة، دون الانجرار إلى مواجهة شاملة أو مفتوحة، لكنها في المقابل تسعى لإعادة تشكيل خريطة السيطرة داخل القطاع لصالحها.
ومنذ استئناف الحرب على غزة، قامت القوات الإسرائيلية بتعزيز تمركزها في محاور حساسة، مثل محور فيلادلفيا، مستعينة بتكتيك يمزج بين الضغط العسكري المتواصل والخداع السياسي، ما يجعل الميدان مفتوحًا أمام تحركاتها المتدرجة.
إعادة رسم غزة ووضع حماس أمام معضلات معقدة
وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أن هذه الاستراتيجية تسعى إلى فرض واقع ميداني جديد يثقل كاهل حركة حماس، سواء خلال المفاوضات السياسية أو خلال المواجهة العسكرية المباشرة، حيث تراهن إسرائيل على توسيع نفوذها العسكري من دون أن تنزلق إلى استنزاف طويل الأمد، بينما تحافظ على تصعيد تدريجي يسمح لها بتعديل خياراتها وفق تطورات المشهد، من وقف مؤقت لإطلاق النار وصولًا إلى تصعيد أشمل متى رأت ضرورة لذلك.
وبدوره، كشف وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، عن تعليماته لقواته بتوسيع السيطرة على مزيد من المناطق داخل القطاع، وهي خطوة اعتبرها محللون جزءًا أصيلًا من الاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى مضاعفة الضغط على حركة حماس، إلى جانب إعادة رسم الخارطة الميدانية للصراع بما يخدم الأهداف الإسرائيلية.
هدفان رئيسيان وراء التصعيد التدريجي
وفي هذا الإطار، يرى الخبير في الشأن العسكري يوسف الشرقاوي، أن "إسرائيل تمضي في تنفيذ خطة متدرجة لاستئناف القتال في غزة"، مشيرًا إلى أن هذه الخطة تخدم هدفين محوريين؛ الأول يتمثل في تعظيم الضغط على حركة حماس بغية دفعها إلى تقديم تنازلات خلال مفاوضات التهدئة الجارية.
أما الهدف الثاني، بحسب "الشرقاوي"، فيتعلق بتضليل الأطراف الإقليمية والدولية بشأن النوايا الحقيقية لإسرائيل، التي قد تشمل إعادة احتلال قطاع غزة، وكذلك ممارسة ضغط إضافي على سكان القطاع، تمهيدًا لدفعهم نحو خيار "الهجرة الطوعية" خارج غزة.
إعادة تموضع وتثبيت السيطرة
وأردف "الشرقاوي"، أن "التقدم الإسرائيلي في محاور حيوية مثل نتساريم وفيلادلفيا وشمال القطاع، يشير بوضوح إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتمد خطة لإعادة التموضع تضمن له إحكام قبضته على غزة دون الدخول في عمليات توغل بري واسعة النطاق".
كما تابع "الشرقاوي": "برأيي، إسرائيل تسعى في المرحلة الأولى إلى عمليات محدودة النطاق، سواء من خلال التوغل البري المدروس أو عبر الهجمات الصاروخية المتفرقة، إلا أن استمرار حماس في تمسكها بمواقفها حيال وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن قد يدفع إسرائيل إلى تصعيد ميداني أكبر يصل إلى عمق القطاع ويمتد إلى مناطق إضافية في غزة ووسطها".
العمليات المحدودة.. الخيار الإسرائيلي الأمثل
من جهته، أكد الخبير في الشأن الإسرائيلي أيمن يوسف، أن العمليات العسكرية المحدودة تمثل الخيار الأمثل بالنسبة للجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة من عملياته داخل غزة، لافتًا إلى أن هذا النوع من العمليات يقلل من التكلفة، سواء من الناحية البشرية أو الاقتصادية.
وأشار "يوسف"، إلى أن العمليات المحدودة، بالتزامن مع فرض حصار خانق على القطاع ومنع دخول المساعدات، تعتبر ورقة ضغط فعالة قد تحقق لإسرائيل أهدافها العسكرية والسياسية، عبر دفع حركة حماس إلى التنازل عن شروطها الخاصة بوقف إطلاق النار وتمديد التهدئة.
إعفاء القيادة من الاستنزاف الداخلي
كما اعتبر "يوسف"، أن هذه الاستراتيجية تجنّب القيادة السياسية الإسرائيلية استدعاء أعداد إضافية من جنود الاحتياط، الأمر الذي يخفف عنها ضغوطًا داخلية متصاعدة، لاسيما مع وجود أصوات داخلية رافضة لاستمرار الاستدعاءات، ناهيك عن احتمالية حدوث حالات تمرد بين جنود وضباط الاحتياط.
واستطرد "يوسف"، أن "العمليات المحدودة تبقي الخسائر البشرية والمادية في أدنى مستوياتها، خاصة أن حماس ما زالت تمتلك القدرة على شن هجمات مضادة يمكن أن تلحق خسائر مباشرة بالقوات الإسرائيلية على الأرض".
وأوضح "يوسف"، أن "العمليات المحدودة تتماشى مع الأهداف الإسرائيلية التي تركز حاليًا على الإفراج عن جميع الرهائن دون تعريض حياتهم للخطر"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة بدورها تدعم الوصول إلى صفقة تضمن تحرير الرهائن، وهو ما قد يسجل مكسبًا سياسيًا إضافيًا للرئيس الأميركي دونالد ترامب.