مجاعة حقيقية.. كيف يواجه سكان غزة محنة جوع أطفالهم؟

أطفال غزة
أطفال غزة

فقدت السيدة الفلسطينية هدى الحداد اثنين من أبنائها الأربعة جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي، لتبقى اليوم تعيش مع ألم الفقد والخوف المتزايد على طفليها الآخرين، اللذين يعانيان من سوء تغذية حاد نتيجة الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة. 

وفي مركز إيواء يقع في حي الزيتون شرقي مدينة غزة، تقف هدى يوميًا لساعات في طوابير طويلة أملاً في الحصول على عبوات من المكملات الغذائية التي توزعها بعض الجمعيات الإغاثية، حيث تمثل هذه العبوات رغم بساطتها مصدر أمل في حماية طفليها من الجوع الذي يهدد حياتهما.

اقرأ أيضًا:

سوء التغذية

وتوضح هدى في حديثها أن الاحتلال الإسرائيلي قتل طفليها محمد وحنان، اللذين لم يتجاوزا الرابعة عشرة والثالثة عشرة من العمر، ولم يتبق لها سوى يحيى وزينة، اللذين يبلغان من العمر سبعة وتسعة أعوام، لكن حالتهما الصحية آخذة في التدهور بسبب النقص الشديد في الغذاء، ما يزيد من مخاوفها عليهما. 

وتظهر علامات سوء التغذية بوضوح على وجهي الطفلين، من شحوب وتعب عام إلى ضعف القدرة على التركيز وممارسة الأنشطة اليومية، وهي تحاول تعويض ذلك من خلال تلقينهما الدروس داخل خيمتهما في مركز الإيواء رغم كل التحديات.

وتحصل هدى يوميًا على عبوات صغيرة من زبدة الفول السوداني المدعمة بالفيتامينات، حيث توزع بمعدل عبوة واحدة لكل طفل، وتقول بأسى: "أطفالي لم يتذوقوا اللحم منذ ما يقرب من عام، ولا تتوفر لدينا لا بيض، ولا خضروات، ولا فواكه، ولا أي مصادر طبيعية للبروتين أو الفيتامينات". 

وتضيف أن معظم الطعام المتاح يأتي من التكايا التي بالكاد تقدم وجبات بسيطة تعتمد على المعكرونة أو العدس، ما يجعل المكملات الغذائية الخيار الوحيد الذي يمنح أطفالها بعض القوة.

ورغم أنها تدرك أن هذه المكملات لا تعالج الأزمة بشكل جذري، إلا أنها تشعر ببعض الطمأنينة، لا سيما أنها تلتزم بالإرشادات التي توزعها المؤسسات الخيرية بشأن كيفية الاستخدام، بما في ذلك ضرورة شرب كميات كافية من المياه لتجنب أي مضاعفات صحية.

المكملات الغذائية 

في ذات المركز، كانت سيدة أخرى تدعى منى لبد تحاول جاهدة الحصول على حصتها من المكملات الغذائية وسط زحام شديد من الأهالي، وبعد معاناة، تمكنت من تأمين عبوات تكفي لطفليها الصغيرين، الذين لا يتجاوزان العامين.

وتقول منى إن سوء التغذية أصبح ظاهراً بشكل لا يمكن إنكاره، فطفلاها يظهران وهنًا جسديًا واضحًا، وشحوبًا في الوجه، وافتقارًا إلى النشاط، وكل ذلك نتيجة لنقص التغذية الحاد.

وتضيف أن أطفالها لم يتناولوا أي لحوم أو خضروات أو فواكه أو حتى بيض منذ شهور، وأن بعض المواد الغذائية التي سُمح بدخولها خلال فترات الهدنة كانت أسعارها مرتفعة جدًا، مما حال دون قدرتها على شرائها، وبالنسبة لها، أصبحت المكملات الغذائية وسيلة مؤقتة لتحصين أطفالها، إلى حين انتهاء الحرب وفتح المعابر للسماح بدخول الغذاء بشكل طبيعي.

ورغم بساطة هذه المكملات، تؤكد منى أنها تلتزم تمامًا بالتعليمات التي يقدمها الموزعون، لأنها تعلم أن الاستخدام غير السليم قد يكون له آثار جانبية، لكنها أيضًا تعلم أن ليس أمامها خيار آخر.

مجاعة حقيقية 

وفي هذا السياق، أوضح إبراهيم إرشي، مدير برنامج التغذية في هيئة الإغاثة الإنسانية التركية، أن المكملات الغذائية يتم توزيعها بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، ضمن إطار الاستجابة العاجلة لأزمة الجوع المتفاقمة في قطاع غزة. 

وبين أن الحملة تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا، مثل النساء الحوامل والمرضعات، بالإضافة إلى الأطفال دون سن الخامسة، وأشار إلى أن البرنامج يوفّر المكملات لنحو 55 ألف مستفيد شهريًا في غزة، وسط إقبال شديد وقلق بالغ من قبل الأهالي الذين يدركون حجم الخطر الذي يهدد حياة أطفالهم.

من جانبه، تحدث الطبيب سعيد صلاح، مدير مستشفى "أصدقاء المريض"، المتخصص في رعاية الأطفال، عن تفاقم واضح في حالات سوء التغذية، لافتًا إلى أن المستشفى أصبح يستقبل ما بين 3 إلى 5 حالات يوميًا من الأطفال الذين يحتاجون إلى المبيت نتيجة سوء التغذية، بعد أن كانت الحالات لا تتجاوز واحدة أو اثنتين يوميًا في السابق.

ويؤكد الدكتور صلاح أن الوضع يتجه نحو مجاعة حقيقية، خصوصًا بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أشهر و5 سنوات، ما يشكل تهديدًا جديًا لحياتهم، ودق ناقوس خطر أمام العالم بأسره. 

ورغم دخول كميات محدودة من المساعدات الغذائية خلال بعض فترات وقف إطلاق النار، فإن الحصار المستمر وانقطاع المساعدات جعلا الأزمة تتصاعد مجددًا.

وأشار إلى أن المستشفى يستدعي يوميًا نحو 200 طفل للاشتباه بإصابتهم بسوء تغذية، ويتم إخضاع الحالات المصابة لبرامج علاجية مخصصة، مؤكدًا أن المكملات الغذائية تعد أداة لا غنى عنها حاليًا، خاصة في ظل غياب البدائل.

ورغم أهمية هذه المكملات، أكد الطبيب أن الكميات المتوفرة منها لا تكفي لتغطية احتياجات جميع السكان، وخصوصًا الفئات الأكثر هشاشة، ومع ذلك، شدد على أن استخدامها وفق التعليمات لا يسبب أية أضرار صحية، بل يساعد في تفادي عواقب أكثر خطورة.

وختم صلاح بقوله إنهم يشجعون العائلات على استخدام هذه المكملات، وخصوصًا للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات، لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة حاليًا لتوفير الحد الأدنى من الغذاء في ظل غياب الطعام الطبيعي في الأسواق.

الجزيرة