كشف تحقيق أجراه الجيش الإسرائيلي بشأن الاشتباك الذي اندلع على شاطئ وكيبوتس زيكيم عن فجوة واضحة في مستوى الأداء بين جنود الجيش وأفراد فرقة الحراسة التابعة للكيبوتس، فقد بين التحقيق أن أداء قوات الجيش كان دون المستوى المطلوب وأسهم بشكل مباشر في النتائج الكارثية التي وقعت خلال المواجهة على الشاطئ، في حين أظهر حراس الكيبوتس احترافية لافتة من حيث سرعة الاستجابة ودقة التنسيق، ما حال دون وقوع أي خروقات أمنية داخل حدود المستوطنة، حيث لم يتمكن أي من المهاجمين الفلسطينيين من التسلل أو تنفيذ عملية اختطاف داخل الكيبوتس.
أما الخسارة البشرية الوحيدة التي سجلها الجانب الإسرائيلي خلال هذه المعركة، فتمثلت في مقتل مدني كان يعمل ضمن صفوف جهاز الأمن العام "الشاباك"، وقد لقي حتفه أثناء تبادل لإطلاق النار مع المسلحين الفلسطينيين، بينما كان يمر في منطقة قريبة من ساحة الاشتباك.
اقرأ أيضًا:
- خلاف جديد بين نتنياهو وجيش الاحتلال حول أهداف حرب غزة.. ما القصة؟
- صحيفة أمريكية تتحدث عن خرائط عسكرية جديدة أعدها جيش الاحتلال وتحذر من هذا الأمر
فشل أخلاقي ومهني
وصف التحقيق تصرفات قوات الجيش الإسرائيلي بأنها تمثل "فشلًا أخلاقيًا ومهنيًا واسع النطاق"، مشددًا على أن الجندي، في مثل هذه الظروف، يُتوقّع منه أن يبادر بالتقدم نحو الخطر وأن يُظهر استعدادًا للتضحية بحياته إذا تطلب الأمر، بغرض حماية المدنيين ومنع احتكاكهم بالمهاجمين.
وأورد التحقيق أن قائد القطاع البحري اتخذ قرارًا ميدانيًا حاسمًا بتوجيه قواته نحو ساحة المواجهة، مخالفًا بذلك التعليمات العسكرية الرسمية، وهو ما أسهم في تفادي كارثة كانت وشيكة، وفي الوقت نفسه، لعب كل من المراقب البحري وفريق الإنذار المدني دورًا جوهريًا في إحباط محاولة اقتحام الكيبوتس، من خلال اعتراض المهاجمين في توقيت حاسم.
كما سلط التحقيق الضوء على التناقض في طريقة التعامل مع الوقائع بين كيبوتس زيكيم والمستوطنة المجاورة "نتيف هعسرا"، حيث تبين أن الفرق في الأداء والتخطيط بين الموقعين كان كبيرًا رغم تشابه طبيعة الهجوم، وقد تم تقديم نتائج هذا التحقيق للصحافيين في وقت سابق، ثم جرى الإفصاح عنها رسميًا أمام الرأي العام يوم الأحد.
ضعف القيادة الميدانية
التحقيق أشار إلى أن المواجهات في كلا الموقعين لم تشهد تفوقًا عدديًا لطرف دون الآخر، بل كانت متكافئة من حيث الأعداد بين القوات الإسرائيلية الميدانية وعناصر النخبة من حركة حماس الذين شنوا الهجوم، لكن أداء الجيش تأثر بعدد من العوامل، أبرزها ضعف القيادة الميدانية، إذ اتخذ قرارات مصيرية من قبل قائد فرقة كان يدير العمليات من خلال جهاز لاسلكي فقط، دون وجود مباشر في ساحة القتال، وقد اتهم باتخاذ قرارات غير موفقة ساهمت في تدهور الوضع على الأرض.
وفي سياق متصل، أوضح التقرير أن القيادة الميدانية اتسمت بالتردد وعدم المبادرة، إذ أبدى الضباط سلوكًا متراجعًا وتجنبوا الانخراط المباشر مع المهاجمين، وهو ما أضعف من فعالية الرد العسكري سواء على شاطئ زيكيم أو في مستوطنة نتيف هعسرا.
وتبين من خلال التحقيق أن العديد من الإخفاقات التي وقعت في بداية الهجوم لم تكن ناتجة عن أداء الجنود الميدانيين فحسب، بل تعود بدرجة أكبر إلى تقصير القيادات العليا، وخصوصًا الضباط المسؤولين في اللواء الشمالي التابع لفرقة غزة.
ورغم حجم الإخفاقات وانكشافها المبكر، لم يتم اتخاذ أي إجراء إداري أو تأديبي بحق هؤلاء القادة، الذين واصلوا لاحقًا قيادة العمليات في غزة.
معركة شاطئ زيكيم
ومن بين ما كشفه التحقيق في ما عرف بـ"معركة شاطئ زيكيم"، صدور تعليمات غير معتادة لقائد السرية الميدانية، تمثلت في مطالبته بالتوجه إلى الملجأ فور ورود أي إنذار أمني، بدلًا من البقاء في مركز القيادة، وهو ما اعتُبر دليلًا واضحًا على الارتباك وقصور الجاهزية في صفوف القيادة.
وبحسب ما وثقته التحقيقات، فإن تسع دقائق مصيرية تلت الهجوم المفاجئ عند الساعة 6:29 صباحًا يوم 7 أكتوبر، شهدت غياب الجندي المكلف بتلقي البلاغات اللاسلكية وتمرير المعلومات الحساسة، فقد كان من المفترض أن يتابع تطورات الميدان، وينسق التحركات بين الوحدات المختلفة، إلا أنه كان مختبئًا داخل مقر السرية، غير قادر على أداء مهمته الحاسمة في لحظة بالغة الخطورة.
وتبين أن السرية ذاتها، التابعة للواء غولاني، كانت طرفًا في المواجهتين، وتخضع لقيادة الكتيبة المدرعة 77، وقد شابت عملياتها إخفاقات متعددة منذ اللحظات الأولى، وفقًا لما أظهره التحقيق.
ومن بين أبرز الحوادث التي وثقها التقرير في سياق العمليات التي قادها اللواء الشمالي، كانت حادثة إهمال بشعة، تمثلت في نسيان جثامين سبعة جنود داخل أحد الملاجئ القريبة من الشاطئ، بعد مقتلهم إثر تعرضهم لهجوم بقاذفات القنابل والأسلحة الرشاشة، وقد ظلت الجثث هناك مهملة لقرابة أسبوع دون أن تُسترجع.
ورغم هذا الكم من الإخفاقات، قرر الجيش عدم معاقبة أي من القادة المسؤولين، وذلك تنفيذًا للسياسة التي انتهجها رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، والذي فضل الإبقاء على القادة في مواقعهم لمتابعة العمليات الميدانية بدلاً من استبعادهم.
غياب المسألة
كما أظهر التحقيق أن بعض القادة الذين ثبت تقصيرهم خلال الساعات الأولى للهجوم، تم تكليفهم لاحقًا بمهام قيادة عمليات الحصار والدفاع داخل غزة، مما أثار جدلاً واسعًا حول غياب المساءلة.
ومن بين أكثر الوقائع صدمةً، وثق التحقيق لحظة فرار ستة جنود من لواء غولاني من موقعهم في موقف سيارات على مقربة من الشاطئ، حيث تراجعوا وهربوا بعدما رصدوا مجموعة من مقاتلي حركة حماس لا يفصلهم عنهم سوى عشرات الأمتار، وهو ما أدى إلى ثغرة أمنية فادحة.
وبحسب ما ورد في التحقيق، كان يفترض بهؤلاء الجنود أن يشكلوا خط دفاعي يفصل بين المهاجمين والمدنيين الإسرائيليين الذين كانوا يحتمون داخل المراحيض والملاجئ المنتشرة على الشاطئ، غير أن انسحابهم المفاجئ أتاح لمقاتلي النخبة التابعين لحماس التقدم بحرية وشن هجوم دموي أسفر عن مقتل 14 مدنيًا من بين 17 كانوا في المنطقة المستهدفة.
واعتبر الجيش أن الجنود لم يظهروا المستوى المطلوب من الشجاعة أو الجاهزية في مثل هذه اللحظات الحاسمة، مشيرًا إلى أن الموقف استدعى مواجهة مباشرة مع العدو، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، وهو ما لم يتحقق.
وأفاد التقرير بأن مقاتلي حماس استغلوا انسحاب عناصر غولاني للاستيلاء على مركبة عسكرية من نوع "سافانا" تركها الجنود خلفهم، وقاموا باستخدامها للتنقل باتجاه كيبوتس زيكيم.
لكن سرعان ما رصد المراقب البحري هذه الخطوة، وبادر إلى اتخاذ إجراءات فورية، من بينها إخطار قائد الكيبوتس، الذي بدوره تحرك بسرعة ونظم أفراد الحراسة، الذين كانوا مستعدين ومجهزين في مواقع استراتيجية حول الكيبوتس.
وفي تطور لاحق، تمكن أحد أعضاء فريق الحراسة من التعرف على المركبة القادمة، فبادر إلى إطلاق النار نحوها بعد أن لاحظ أن أحد المقاتلين بداخلها كان يحمل قاذفة "آر بي جي"، مما حال دون وقوع مجزرة جديدة داخل الكيبوتس.