كشف تقرير جديد صادر عن مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن تفاصيل صادمة تتعلق بمشروع "الرصيف العائم" الذي أقيم قبالة شواطئ غزة خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، حيث تبين أن أكثر من 60 جندياً أميركياً أُصيبوا خلال فترة تنفيذ المشروع، وهو رقم يفوق بكثير ما جرى الإعلان عنه سابقاً.
وكان الرصيف، الذي تم الإعلان عنه رسميًا في خطاب متلفز ألقاه بايدن أمام الكونغرس في مارس 2024، يمثل مبادرة ضخمة ضمن ما وصفه الجيش الأميركي بأكبر جهد لوجستي لتقديم المساعدات الإنسانية في تاريخ العمليات الأميركية بالشرق الأوسط، وقد تطلب إنشاء هذا الرصيف العائم مساهمة نحو ألف جندي أميركي في مختلف المراحل اللوجستية والفنية.
اقرأ أيضًا:
- بيان مصري قطري حول تطورات المسار التفاوضي بشأن غزة
- مقترح أمريكي مفاجئ لمصر بشأن غزة.. هل اقتربت نهاية الحرب؟
عقبات ميدانية
غير أن المشروع، الذي صمم أساسًا لتسريع توصيل المساعدات إلى سكان غزة المحاصرين، واجه سلسلة من العقبات الميدانية التي قوضت فاعليته، أبرزها الأحوال الجوية السيئة التي أجبرت القوات الأميركية على إزالة الرصيف أكثر من مرة خلال فترة تشغيله التي لم تتجاوز 20 يومًا.
وبلغت كلفة المشروع قرابة 230 مليون دولار، ما أثار جدلاً واسعًا حول جدوى هذا الاستثمار الضخم في ظل نتائج محدودة، ورغم أن وزارة الدفاع الأميركية كانت قد أعلنت في مايو الماضي عن إصابة 3 جنود فقط خلال دعم عمليات الرصيف، من بينهم حالة حرجة استدعت إخلاءً طبيًا عاجلًا، فإن التقرير الجديد أظهر أن عدد الإصابات الحقيقي بلغ 62 إصابة.
ومع ذلك، لم يستطع التقرير تحديد ما إذا كانت هذه الإصابات قد وقعت خلال أداء الواجب المباشر، أو نتجت عن حوادث خارج الخدمة أو ظروف صحية مسبقة.
ويضيف التقرير أن الجيش الأميركي أخفق في الالتزام بالمعايير المحددة للمعدات المستخدمة في المشروع، فضلًا عن أنه لم يجري تدريبًا كافيًا للقوات، ولم يجهزها وفقًا للمعايير التشغيلية المشتركة، ما ساهم في تعثر المهمة وفقدان السيطرة على الكثير من جوانبها اللوجستية.
مادة سياسية
وفي الوقت الذي لم يسجل فيه وقوع أي هجمات مباشرة على الرصيف من جانب أطراف النزاع في غزة، إلا أن المشروع تحوّل إلى مادة سياسية خلافية في أروقة الكونغرس، فقد اعتبره الجمهوريون محاولة دعائية من إدارة بايدن للاستجابة للضغوط المتزايدة التي واجهها من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، خاصة في ظل الانتقادات الواسعة لدعمه الثابت للحرب الإسرائيلية المستمرة ضد حركة حماس.
وبينما ساهم الرصيف -الذي بلغ طوله 370 مترًا– في تسهيل نقل كميات محدودة من المساعدات إلى منطقة تجميع على الشاطئ، إلا أن عمليات التوزيع الفعلي داخل قطاع غزة ظلت معطلة إلى حد كبير، نتيجة للتحديات الأمنية والميدانية القائمة، وعدم توفر آليات نقل آمنة وفعالة للمساعدات إلى المناطق المتضررة.
في هذا السياق، لا تزال أزمة إيصال المساعدات إلى قطاع غزة تشهد مزيدًا من التعقيد، حيث تتهم الأمم المتحدة وممثلون عن الجانب الفلسطيني في محكمة العدل الدولية إسرائيل بخرق القانون الدولي من خلال منع تدفق الإمدادات الإنسانية، إذ منذ الثاني من مارس، لم تسمح إسرائيل بدخول أي شحنات مساعدات إلى سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة.
في المقابل، تواصل إسرائيل تبرير حصارها المحكم على المساعدات، مشيرة إلى أن حركة حماس تقوم بالاستيلاء على تلك المساعدات وتعيد توزيعها لصالح مقاتليها، وهو ادعاء تنفيه الحركة بشكل قاطع.
وبين إخفاقات لوجستية، وخسائر بشرية، وتوظيف سياسي، يعد مشروع "رصيف بايدن" واحدًا من أكثر المبادرات الأميركية المثيرة للجدل في سياق التعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، والتي لا تزال بلا حلول حقيقية في الأفق.