محاولة لترميم الفشل.. إسرائيل تطلق برنامج "ماغن 48" في 66 بلدة بعد فضيحة 7 أكتوبر

ماغن 48
ماغن 48

في أعقاب الهجوم المباغت الذي نفذته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر 2023، والذي استهدف عشرات البلدات الإسرائيلية الواقعة على تخوم قطاع غزة، دخلت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في حالة استنفار غير مسبوقة، محكومة بهاجس مركزي هو: كيف فشلت إسرائيل في حماية عمقها الحدودي؟

ومع تزايد الانتقادات الداخلية وصدور تقارير رسمية أكدت الإخفاق الأمني، سارعت الحكومة الإسرائيلية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني إلى إطلاق برنامج تدريبي جديد، يحمل اسم "ماغن 48" (درع 48)، يهدف إلى إعادة بناء القدرات القتالية والدفاعية لفرق الأمن المحلية في المناطق المحاذية لغزة، وتحديدًا في 66 بلدة مشمولة بما يعرف بـ"غلاف غزة".

هدف البرنامج

بحسب التعريف الرسمي الذي أوردته مؤسسة "ماغن 48" على موقعها الإلكتروني، فإن المهمة الأساسية للبرنامج تتمثل في تزويد فرق الاستجابة الأولية في البلدات الحدودية بالمعرفة والمهارات والموارد التي تمكّنها من التصدي للطوارئ الأمنية بكفاءة وفعالية.

اقرأ أيضًا:

وتشير المؤسسة إلى أن فلسفة البرنامج تعتمد على نهج "السلامة الاستباقية"، أي تحويل المجتمعات المحلية إلى مراكز دفاع ذاتي تمتلك القدرة على التعامل الفوري مع التهديدات، قبل وصول الجيش أو الشرطة.

ويمتد البرنامج على مدار عامين بميزانية تبلغ نحو 5 ملايين دولار أمريكي، ويشمل تدريبات واقعية مصممة حسب خصوصية كل بلدة، إضافة إلى تقييمات مخاطر مفصلة، ومحاكاة سيناريوهات هجمات باستخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي والتدريب في ساحات مفتوحة.

اعتراف رسمي بالإخفاق

جاء إطلاق هذا البرنامج بعد موجة انتقادات واسعة ضد أداء الجيش الإسرائيلي خلال هجوم 7 أكتوبر، والذي اعتبر أسوأ اختراق أمني في تاريخ إسرائيل منذ حرب 1973، وقد كشف تقرير لموقع "تايمز أوف إسرائيل" أن الهجوم أسفر عن مقتل 48 عنصرًا من فرق الاستجابة الأولية الذين حاولوا الدفاع عن قراهم بأسلحة غير كافية، دون أي دعم حقيقي من الجيش.

وتتكون هذه الفرق في معظمها من مدنيين في الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم، سبق لهم أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وكانوا يخضعون لتدريب محدود مرتين فقط في العام، وفقًا لما جاء في التقرير، وتفرض معايير واضحة على تشكيل هذه الفرق، منها وجود 24 عنصرًا مسلحًا على الأقل في كل بلدة، إلا أن الأحداث أظهرت مدى هشاشة هذه المنظومة.

فبعض هذه الفرق، بحسب التقرير، لم تمتلك بنادق هجومية على الإطلاق، بينما فشلت أخرى في الوصول إلى مستودعات الأسلحة المغلقة أثناء الهجوم، كما تبين لاحقًا أن التنسيق بين الجيش وهذه الفرق كان شبه غائب، ما فاقم من حجم الخسائر وعمّق الصدمة داخل الأوساط الأمنية والعسكرية.

تفاصيل التدريب

تنفذ التدريبات في قاعدة تابعة لفرقة غزة قرب كيبوتس "رعيم"، حيث يخضع المتدربون لنظام تدريب مكثف يمتد لـ12 يومًا في العام، منها ثمانية أيام تحتسب ضمن الخدمة الاحتياطية الرسمية وممولة من الجيش الإسرائيلي، وأربعة أيام تموّلها منظمة "ماغن 48".

ويشمل التدريب رماية حية، وتمارين على تكتيكات قتالية، وتمارين على التعامل مع سيناريوهات هجمات مسلحة واقتحام بلدات، مع تخصيص أحد المتطوعين لقيادة الفريق في كل بلدة، وقد يعين لاحقًا كمنسق أمني مدني يتلقى راتبًا من الجيش والسلطة المحلية.

كما يستخدم التدريب غرفًا مجهزة بتقنيات الواقع الافتراضي لمحاكاة إطلاق النار، ومواقف احتجاز رهائن، والتعامل مع متسللين، ما يوفر للمتطوعين تجربة أقرب ما تكون إلى القتال الفعلي.

فضيحة البنادق المصادرة

من أبرز العوامل التي ساهمت في هشاشة الدفاعات المحلية خلال هجوم 7 أكتوبر كان قرارًا اتخذته قيادة الجيش الإسرائيلي في أغسطس 2022 بسحب البنادق الهجومية من فرق الأمن المحلية، عقب تسجيل حالات سرقة من المستودعات، واشترط القرار إنشاء "مخازن آمنة" للأسلحة، وهي لم تكن مكتملة في بلدات كثيرة، أبرزها سديروت.

وجاء هذا النقص في التسليح ليضاعف المأساة: ففي سديروت وحدها، قتل 53 شخصًا، بينهم 37 مدنيًا، و11 من رجال الشرطة، ورجلا إطفاء، وثلاثة جنود، وكشفت الحادثة أن قرار سحب الأسلحة – وإن جاء بدافع تنظيمي – كان كارثيًا على مستوى النتائج الميدانية.

من هو مؤسس "ماغن 48"؟

تأسست منظمة "ماغن 48" على يد آري بريغز، مهاجر أسترالي مقيم في مدينة رعنانا، سبق له أن شغل منصب مدير القسم الدولي في منظمة "ريغافيم" اليمينية المتطرفة، كما عمل مستشارًا في قطاع الأعمال. 

وشاركه في التأسيس إيهود دريبن، مدرب متخصص في مكافحة الإرهاب عمل مع الجيش الإسرائيلي وشرطة دول عدة، وهو المسؤول عن الجوانب الفنية والتكتيكية للبرنامج.

وحمل البرنامج اسمه "ماغن 48" تخليدًا لذكرى 48 من عناصر فرق الأمن المحلي الذين قتلوا خلال هجوم 7 أكتوبر، ما يجعل من هذا المشروع ليس فقط مبادرة أمنية، بل أيضًا محاولة لإعادة الاعتبار لضحايا الإخفاق الأمني.

هل ينجح البرنامج في سد الثغرات؟

رغم أهمية الخطوة وتطور تقنياتها، فإن نجاح "ماغن 48" يبقى رهينًا بجملة من العوامل، أبرزها: مدى فعالية التنسيق بين الجيش والمتطوعين، استمرارية التمويل، والتغلب على البيروقراطية الأمنية التي عرقلت جهوزية البلدات سابقًا.

كما يطرح تساؤل جوهري حول مدى قدرة هذه الفرق – حتى بعد تدريبها – على الوقوف في وجه هجوم بحجم ما حدث في 7 أكتوبر، إذا ما تكرر المشهد مستقبلاً. فالتجهيزات المحلية، مهما بلغت من كفاءة، لا يمكن أن تحل بالكامل محل الاستجابة العسكرية المركزية، وهو ما يثير قلقًا حقيقيًا لدى بعض المحللين الأمنيين.

البوابة نيوز