كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في تقرير موسع نشر صباح الجمعة، عن استمرار غياب الضغط الكافي على إسرائيل لإنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يزال يفضل الإبقاء على دوامة التصعيد، ويتهرب من أي مسار جدي لوقف إطلاق النار، رغم الدعوات المتزايدة من الولايات المتحدة.
ووفقاً لما أوردته الصحيفة، فإن الإدارة الأميركية تبدي حماسة أكبر من أي وقت مضى للوصول إلى تهدئة أو وقف شامل للقتال، لكن هذا التوجه يصطدم بتعقيدات ميدانية وسياسية تمنع التقدم الفعلي.
تعنت إسرائيلي
وتترافق الجهود الأميركية مع انقسامات جوهرية مع تل أبيب، لا سيما في ظل تعنت نتنياهو وتمسكه بشروط تفاوضية مرتفعة يصعب على الطرف الفلسطيني، وبالتحديد حركة "حماس"، قبولها.
اقرأ أيضًا:
- تطور مفاجئ في مفاوضات غزة بالدوحة.. تعنّت إسرائيلي يهدد الهدنة (تفاصيل)
- 48 ساعة حاسمة.. التفاؤل يسيطر على حماس بشأن الهدنة في غزة (تفاصيل)
ويعكس هذا التعنت الإسرائيلي افتقاراً واضحاً إلى الإرادة الحقيقية للانخراط في التسوية التي تسعى واشنطن إلى بلورتها.
ورغم أن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة قد تمنح المبعوثين الأميركيين دفعة مؤقتة في تحركاتهم، إلا أن التساؤلات تتصاعد حول مصير هذا الزخم بعد انتهاء الزيارة.
وتقول الصحيفة، إن إسرائيل تستغل هذه الزيارة للتسويف، وتظهر تمسكها بشروطها المسبقة التي تعيق أي تقدم، ومع ذلك، فإن الهدنة لم تعد بعيدة المنال كما في السابق، لكنها ما تزال مرهونة بتفعيل أدوات ضغط أميركية حقيقية، خاصة على الجانب الإسرائيلي، لدفعه إلى تقديم تنازلات تُمكّن الطرف الآخر من اتخاذ خطوات مماثلة.
واشنطن ليست وسيطًا نزيهًا
تشير الصحيفة إلى أن المبادرة الأميركية لا تستند إلى نية فرض تسوية شاملة أو عادلة، بل تهدف فقط إلى فرض تفاهم يراعي موازين القوى القائمة، ويبقي على المكاسب الجزئية التي حققتها إسرائيل عسكرياً في قطاع غزة، مع إدراكها أن تحقيق أهدافها الكبرى بات أمراً مستحيلاً عبر الاستمرار في الحرب.
وتحمّل "الأخبار" الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن استمرار القتال، معتبرة أن دوافعه أصبحت سياسية بحتة، وليست ميدانية.
وتضيف الصحيفة أن تقديم واشنطن نفسها كوسيط "محايد" يأتي فقط بعدما وصلت هي الأخرى إلى قناعة باستنفاد الخيارات العسكرية، وأن ما تقوم به الآن لا يرقى إلى وساطة فعلية، بل هو أقرب إلى دور المساعد لإسرائيل في انتقالها القسري نحو الخيار السياسي بعد أن عجزت عسكرياً عن الحسم.
إسرائيل تتلكأ
تظهر الحكومة الإسرائيلية تردداً واضحاً في إنهاء الحرب، وتتعامل مع الضغوط الأميركية بوصفها مرحلة مؤقتة سرعان ما يمكن تجاوزها، في حين تواصل رهن دخولها في أي مفاوضات جدية بتحقيق مطلبها الرئيسي: إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس".
ويستمر نتنياهو في إطلاق التهديدات باستئناف العمليات العسكرية إذا لم يتم تلبية شروطه بالكامل، وهي شروط تصفها "حماس" بالمجحفة واللامعقولة.
وترى الصحيفة أن رفع السقف التفاوضي من قبل إسرائيل قد لا يكون فقط تكتيكاً لتحسين شروط التفاوض، بل وسيلة لتعطيل الوصول إلى اتفاق أصلاً، وهذا ما يثير الشكوك حول نوايا تل أبيب الحقيقية، خاصة إذا لم تمارس عليها ضغوط حقيقية تُجبرها على تعديل موقفها.
التسوية مرهونة بثمن سياسي
تشير "الأخبار" إلى أن المعضلة الأساسية التي تواجه واشنطن حالياً تكمن في كيفية إقناع نتنياهو بالتنازل دون أن يدفع ثمناً سياسياً داخلياً باهظاً، إذ لا يبدو رئيس الحكومة الإسرائيلية مستعداً للتراجع عن مطالبه دون مقابل ملموس يمكنه الترويج له داخلياً.
وتؤكد الصحيفة أن قضية الأسرى ليست أولوية لدى نتنياهو، بل إن الأولوية تتمثل في الحفاظ على صورته أمام الرأي العام الإسرائيلي كقائد لم يهزم، حتى لو كان ذلك على حساب استمرار الحرب.
وترجّح الصحيفة أن المخرج الوحيد المتاح أمام واشنطن لإجبار إسرائيل على الانخراط الجاد في التسوية، هو تقديم مكاسب سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية لها، سواء كجزء من الاتفاق النهائي أو كتعويض خارج إطار التسوية.
وتضيف أن هذا السيناريو ليس جديداً، بل هو تكرار لنهج أميركي سابق اعتادت فيه إسرائيل الحصول على "جوائز" مقابل اتخاذ خطوات صعبة.
اغتيالات محدودة التأثير
أما في ما يخص العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت عدداً من قادة "حماس"، وعلى رأسهم محمد السنوار، فتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل تنتظر أن تحدث تلك العمليات تغييراً في موقف الحركة، وهو ما لم يظهر بعد، فحتى الآن، لم تؤثر الاغتيالات بشكل جوهري في ميزان القوى أو في قدرة "حماس" على التماسك أو المناورة السياسية.
وتخلص الصحيفة إلى أن إنهاء الحرب في غزة، إذا أراد ترامب تحقيقه فعلاً، لن يكون نتيجة تفاهم ثنائي بين إسرائيل و"حماس" فقط، بل يتطلب تفاوضاً موازياً وحقيقياً بين واشنطن وتل أبيب لتحديد "الثمن" السياسي الذي ستدفعه الولايات المتحدة مقابل قبول إسرائيل بالدخول في تسوية.
ووفق هذا المنطق، فإن أي اتفاق نهائي لن يوقع فقط بين الخصمين المباشرين، بل بين ثلاث دوائر: إسرائيل، الولايات المتحدة، والطرف الفلسطيني، مع تدخلات محتملة من أطراف ثالثة تلعب أدواراً داعمة أو ميسرة.
وبهذا الطرح، تؤكد الصحيفة أن حل الأزمة لا يزال معلقاً على إرادة أميركية فعلية، وليست شكلية، تتجاوز الضغوط الإعلامية أو البروتوكولية، وتدخل في صلب حسابات الربح والخسارة لدى الطرف الإسرائيلي، الذي ما زال حتى الآن يراهن على كسب الوقت لاختبار حدود الضغط الأميركي، وتمديد أمد الحرب لتحقيق مكاسب رمزية يسوقها داخلياً قبل أن يدخل مضطراً في تسوية مفروضة عليه.