كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، في تقرير لها اليوم الأربعاء، عن معطيات جديدة تشير إلى تقدم ملموس في المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة الأميركية، بهدف التوصل إلى صفقة مؤقتة تشمل وقفًا لإطلاق النار في قطاع غزة مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين.
وتضيف الصحيفة أن هذه الصفقة قد تمهد لمرحلة تفاوضية أوسع خلال فترة الهدنة، تناقش خلالها سبل إنهاء الحرب بشكل نهائي، غير أن هذا المسار لا يزال محفوفًا بالعقبات السياسية والميدانية.
مؤشرات التفاؤل الأميركي
تشير الصحيفة إلى أن ما يعزز هذه الأجواء الإيجابية هو ما وصفته بـ"الجدّية الجديدة" التي يبديها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي بدأ يولي الملف الفلسطيني-الإسرائيلي اهتمامًا متزايدًا، مع تكثيف جهود مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، الساعي إلى إزالة العوائق التي عطلت التقدم في الجولات السابقة.
اقرأ أيضًا:
- تطورات حاسمة في مفاوضات غزة.. تقارب محتمل وتصريحات مربكة من نتنياهو
- تقدم في مفاوضات التهدئة.. قيادي فلسطيني يكشف تفاصيل وساطة برعاية أميركية
وتلفت "الأخبار" إلى أن حركة حماس أظهرت، في المقابل، إشارات على قبولها بتسوية تقوم على ضمانات أميركية، بدلاً من تمسكها السابق بوقف شامل للحرب كشرط مسبق لأي صفقة.
ويفهم هذا التحول من جانب الحركة في سياق الضغط الميداني والإنساني الذي تعانيه غزة، لكنه يعكس في الوقت ذاته إدراكًا براغماتيًا لتعقيدات المشهد الدولي، حيث يبدو أن الحركة باتت أكثر انفتاحًا على حلول وسط تتضمن وقفًا مؤقتًا للأعمال القتالية يفتح الباب لمفاوضات موسّعة لاحقًا.
موقف نتنياهو
غير أن التقرير يحذر من الإفراط في التفاؤل، في ظل ما وصفه بـ"الخط الرفيع" الذي يسير عليه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والذي يحاول التوفيق بين مطلب واشنطن بوقف الحرب، وضغوط ائتلافه اليميني المتطرف الذي لا يزال يدفع نحو استمرار العمليات العسكرية في غزة.
وتشير الصحيفة إلى أن نتنياهو يستغل موقف شركائه المتشددين كذريعة لتأجيل اتخاذ قرارات حاسمة، وهو ما يمنحه هامش مناورة كبير يسمح له بالمراوغة بين القبول والرفض، دون الاضطرار لتحمل كلفة سياسية مباشرة.
وفي هذا السياق، تقول "الأخبار" إن إدارة ترامب، رغم جديتها، لا تزال تتبنى مقاربة "ناعمة" وغير تصادمية، على أمل إقناع نتنياهو بالانخراط في الصفقة طوعًا، لكن هذه السياسة الهادئة تطرح علامات استفهام حول مدى فعاليتها، خصوصًا في ظل التجارب السابقة التي أظهرت أن رئيس الحكومة الإسرائيلي لا يتجاوب إلا تحت ضغط حقيقي وحاسم.
هل تنقلب واشنطن إلى التصعيد؟
وتتابع الصحيفة أن في حال فشلت الإدارة الأميركية في دفع نتنياهو إلى التنازل عبر النهج الحالي، فإنها قد تتجه لاحقًا إلى التصعيد وزيادة الضغط السياسي والدبلوماسي عليه، دون أن تمس في الوقت ذاته بالمصالح الإسرائيلية الكبرى.
فواشنطن تسعى، بحسب التقرير، إلى التوصل إلى تسوية تمنح إسرائيل الحد الأقصى من المكاسب، مقابل الحد الأدنى من التنازلات التي تقدمها للفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن التركيز يجري في الغالب على الإرادة الأميركية وظروف الحكومة الإسرائيلية، إلا أن الصحيفة تنبّه إلى عامل داخلي بالغ الأهمية، قد يحدد مصير المفاوضات والموقف الإسرائيلي منها، وهو المتعلق بالتوقيت الدستوري والسياسي المرتبط بالدورة التشريعية الصيفية في الكنيست، والتي تنتهي أواخر شهر أغسطس المقبل.
فبحسب الصحيفة، إذا سقطت حكومة نتنياهو قبل هذا الموعد نتيجة الاتفاق مع حماس وتجاوبًا مع الضغوط الخارجية، فإن البلاد ستتجه مباشرة إلى انتخابات مبكرة. أما إذا نجح نتنياهو في الصمود حتى انقضاء الدورة الصيفية، فبإمكانه تأجيل الانتخابات حتى مطلع عام 2026، ما يمنحه وقتًا إضافيًا لترتيب أوراقه السياسية.
رهان نتنياهو
وفي ضوء هذا الواقع، يراهن نتنياهو، كما تشير الصحيفة، على عامل الوقت والمماطلة لاحتواء أي انشقاقات داخل ائتلافه قد تنشأ نتيجة قبول صفقة الهدنة، على أمل أن يتمكن كما فعل سابقًا، من إقناع شركائه بالبقاء داخل الحكومة رغم تقديم بعض التنازلات.
ويسهم في هذا المسعى واقع أن الاتفاق المرتقب – وفقًا للتسريبات – لا يشترط إنهاء الحرب بشكل مباشر وفوري، بل يؤسس لمرحلة تهدئة مؤقتة قابلة للتجديد.
وتذكر الصحيفة بأن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها نتنياهو إلى هذا الأسلوب، إذ سبق له أن وافق في مرات سابقة على صفقات برعاية أميركية، ثم ما لبث أن فجرها في مراحل لاحقة حين لم تعد تخدم أهدافه السياسية أو العسكرية.
وفي ختام التقرير، تشير "الأخبار" إلى أن المؤشرات الحالية ترجح إمكانية التوصل إلى صيغة تهدئة مؤقتة بين الطرفين، لا تزال مدتها وتفاصيلها قيد النقاش، غير أن ما لا يمكن الجزم به حتى الآن هو ما إذا كانت هذه التسوية ستفتح فعلاً الطريق نحو إنهاء الحرب، أم أنها ستشكل مجرد هدنة جديدة في سلسلة طويلة من جولات المفاوضات التي تبدأ عادة بقدر من التفاؤل ثم تنتهي دون نتائج تذكر.