في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة يشهدها قطاع غزة، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، أن ما تسمّى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، المدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل، ستقوم بافتتاح مركز جديد لتوزيع المساعدات في وسط قطاع غزة جنوب ممر نتساريم، في خطوة وصفت بأنها جزء من خطة سياسية وعسكرية مموهة تحت غطاء إنساني، تهدف إلى إفراغ شمال القطاع من سكانه ودفعهم قسرًا نحو الجنوب.
افتتاح مركز جديد
ويأتي افتتاح المركز الجديد بعد فشل ذريع للمؤسسة في إدارة مراكز التوزيع السابقة جنوب القطاع، وتحديدًا في رفح، حيث تحولت مشاهد توزيع المساعدات إلى مآسٍ إنسانية دامية بسبب تدافع آلاف الجوعى وقيام جيش الاحتلال بفتح النار عليهم، ما أسفر عن استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة 46 آخرين، وهو ما دفع المؤسسة للإعلان عن تعليق توزيع المساعدات مؤقتًا لليوم الثاني على التوالي.
اقرأ أيضًا:
- رجال الأعمال في غزة يرفضون مهمة توزيع المساعدات.. وشركة غامضة تتحدى الجميع
- بيان عاجل من مؤسسة إغاثة غزة عقب فوضى توزيع المساعدات أمس في رفح
وبحسب الإذاعة العسكرية الإسرائيلية، فإن هذا المركز هو الثالث ضمن أربعة مراكز أعلنت المؤسسة نيتها إقامتها في غزة، ثلاثة منها في الجنوب، وواحد فقط في الوسط.
أشارت إلى أن المجمع الجديد سيخدم حوالي 300 ألف فلسطيني أسبوعيًا، من أصل ما يقارب 500 ألف نسمة يقيمون حاليًا في وسط القطاع، وفق تقديرات جيش الاحتلال.
تهجير سكان شمال غزة
ورغم طابع المؤسسة الظاهري "الإنساني"، لم تخفي إذاعة الجيش الأهداف السياسية والعسكرية وراء إنشاء هذه المراكز، إذ أقرت صراحة أن موقع المجمع الجديد جنوب ممر نتساريم يهدف إلى دفع سكان شمال غزة، خاصة مدينة غزة، إلى النزوح جنوبًا.
ويذكر أن ممر نتساريم، الذي أنشأه الاحتلال في مارس 2024، يفصل شمال القطاع بالكامل عن باقي مناطقه، في خطوة استراتيجية لعزل السكان ومضاعفة معاناتهم.
وكانت المؤسسة المدعومة من واشنطن وتل أبيب قد افتتحت بالفعل مركزين للتوزيع في مدينة رفح قبل يومين، قبل أن تعلن عن وقف العمل بهما مؤقتًا نتيجة "الاضطرابات"، بحسب بيان نشرته هيئة البث الإسرائيلية نقلاً عن المؤسسة المسجلة في سويسرا، وذكرت المؤسسة أنها سوف تستأنف العمل بعد استعادة النظام وضمان تدفق الإمدادات، دون تحديد موعد واضح لذلك.
شرعية زائفة
في المقابل، نقلت الإذاعة عن مسؤولين في المؤسسة – لم يتم تسميتهم – أن 387 ألف وجبة غذائية تم توزيعها في يوم واحد، وهو رقم يعكس حجم الاحتياج الهائل، لكنه لا يغطي سوى نسبة ضئيلة من السكان المحاصرين الذين تجاوز عددهم 2.4 مليون نسمة، يعانون من مجاعة وانهيار كامل في البنية التحتية الصحية والغذائية.
ويرى مراقبون أن المؤسسة، التي تحظى بدعم سياسي وميداني من حكومة الاحتلال، ليست سوى محاولة لإضفاء شرعية زائفة على سياسة التجويع والترحيل القسري التي تمارسها إسرائيل بحق سكان غزة، خصوصًا بعد أن أعلنت حظر عمل وكالة "الأونروا" الأممية في القطاع، واستبعدت كافة منظمات الإغاثة الدولية من عمليات توزيع المساعدات.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت مرارًا من أن سياسة إسرائيل تجاه غزة تمهد فعليًا لتهجير جماعي قسري، خاصة مع منع إدخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس الماضي، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وبينما تسوق إسرائيل المؤسسة الجديدة كمبادرة إنسانية، تبرز الحقائق الميدانية لتكشف عكس ذلك، حيث تستخدم المساعدات القليلة كأداة ضغط لنقل السكان قسرًا نحو مناطق محددة، في ظل واقع تتعمد فيه إسرائيل إبقاء مستويات الجوع والاحتياج عند أقصى درجاتها، ما يؤدي إلى فوضى ومآسٍ عند كل محاولة توزيع.