خطة ويتكوف بين نيران التصعيد ومراوغات السياسة.. هل ينجح الوسطاء في إنهاء الحرب؟

خطة ويتكوف
خطة ويتكوف

في قلب المشهد الفلسطيني المتفجر، تتقاطع مساعي الحل السياسي مع تصعيد عسكري إسرائيلي غير مسبوق، لتجد مبادرة المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، نفسها على حافة الانهيار، فمع تعثر المسار التفاوضي، وتبدل مواقف الأطراف، تواجه الخطة الأميركية تحديات جدية، وسط أجواء ميدانية تغلق فيها النوافذ على أي تهدئة قريبة.

ورغم تصاعد القصف والدمار في قطاع غزة، لم تعلن حركة "حماس" رفضها القاطع لمبادرة ويتكوف، بل أبدت اعتراضها على "الصيغة الحالية" للخطة، ووصفتها بأنها غير متوازنة ومنحازة بالكامل للموقف الإسرائيلي. 

وفي المقابل، تصر إسرائيل على المضي في الحرب دون اكتراث بأي مسار تفاوضي، حيث صدرت تعليمات مباشرة من وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بمواصلة العمليات العسكرية في غزة بغض النظر عن وجود مفاوضات.

اقرأ أيضًا:

هذا الانقسام في المشهد السياسي والعسكري يطرح تساؤلاً حاسمًا: هل وصلنا إلى لحظة السقوط الكامل للمساعي الدبلوماسية، أم أن ما يدور لا يزال ضمن سياق المناورات التفاوضية التي تجري خلف الكواليس؟

واشنطن تتهم.. وحماس تحذر

تتهم الإدارة الأميركية "حماس" بأنها السبب في تعثر المفاوضات، في حين ترى الحركة أن خطة ويتكوف لا تقدم أي ضمانات حقيقية لوقف دائم لإطلاق النار، بل تمهد لعودة الحرب بعد 60 يومًا من بدء أي تهدئة، ما يحولها – من وجهة نظر "حماس" – إلى "فخ سياسي" بغطاء تفاوضي.

وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت، نشأت الأقطش، أن ما يطرح ليس ورقة وساطة، بل وثيقة إسرائيلية وضعتها واشنطن لتفرض على الطرف الفلسطيني". 

ويضيف: "نتنياهو يشترط في الورقة إمكانية استئناف الحرب بعد شهرين، ما يعني أننا لسنا أمام تسوية، بل خدعة دبلوماسية لتمرير مشروع الاحتلال".

ويشير الأقطش إلى مفارقة لافتة: "لا أحد يدري ما هي أوراق القوة التي تملكها حماس بعد أكثر من 600 يوم من الحرب، لكن المؤكد أن إسرائيل لم تحقق أهدافها حتى الآن"، وهذا الطرح يفتح الباب لتساؤل عميق: لو كانت إسرائيل قد حسمت المعركة، هل كنا سنشهد مبادرات أميركية ومساعي تفاوضية الآن؟

الميدان يسبق الطاولة

في ظل استمرار المبادرات المصرية والقطرية لتقريب وجهات النظر، يبرز الخطاب الإسرائيلي المتشدد باعتباره العائق الأبرز أمام أي تقدم، فقد شدد وزير الجيش الإسرائيلي على أن العملية في غزة مستمرة ويجب أن تستمر دون الالتفات إلى المفاوضات، في انسجام تام مع تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يربط استمرار الحرب بـ"استعادة الرهائن وسحق حماس".

أما وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، فرفض المبادرة الأميركية بشكل كامل، محذرًا من أن أي هدنة قد تمنح حماس فرصة لإعادة تنظيم نفسها وتسليح قواتها، واصفًا موافقة نتنياهو المحتملة على الخطة بأنها "خطأ فادح".

وفي ظل هذا الانقسام داخل القيادة الإسرائيلية نفسها حول كيفية التعامل مع الوضع في غزة، تزداد صعوبة الوصول إلى أرضية مشتركة بين تل أبيب والحركة الفلسطينية، ما يعقّد المشهد التفاوضي ويزيد من احتمالية انفجاره.

مشروع استيطاني أم حرب مؤقتة؟

يتجاوز تحليل نشأت الأقطش الإطار الدبلوماسي المعتاد، إذ يرى أن الهدف الإسرائيلي يتجاوز القضاء على "حماس" ليطال الوجود الفلسطيني برمّته في غزة والضفة الغربية. 

ويقول الأقطش: "إسرائيل لا تريد غزة بحماس أو بفتح أو حتى بالسلطة، بل تريدها بلا سكان، والهدف هو إفراغ الأرض من أهلها، وإعادة إعمارها كمشروع استثماري يخدم مصالح الاحتلال".

ويضيف أن إسرائيل تمارس سياسة إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة أمام العالم دون رادع دولي، ويتساءل بمرارة: "يقولون إن حماس هي السبب في العدوان، لكن ماذا عن الضفة الغربية؟ لا توجد حماس هناك، ومع ذلك ترتكب المجازر، وتهدم البيوت، ويحاصر السكان، فما هو المبرر في الضفة؟".

من هذا المنطلق، يرى الأقطش أن المشروع الإسرائيلي واحد في غزة والضفة، وإن اختلفت الأدوات: في غزة عبر القصف والتدمير، وفي الضفة عبر الاستيطان والتهجير.

الخطة الأميركية: فخ أم فرصة؟

ويحذر الأقطش من الانجرار خلف الخطة الأميركية باعتبارها "مخرجًا واقعيًا"، مشددًا على أن أي مبادرة لا تتضمن وقفًا شاملًا وفوريًا لإطلاق النار ليست حلًا، بل هي "فخ جديد"، ويؤكد أن حماس لا يمكنها القبول بوساطة لا تتضمن إعلانًا صريحًا بإنهاء العدوان.

وفيما يصف ويتكوف موقف حماس بـ"غير المقبول"، تراه الحركة منحازًا وغير عادل، إذ لا يوفر الحد الأدنى من الحماية للفلسطينيين ولا يمنع إسرائيل من استئناف الحرب لاحقًا، ويذهب الأقطش إلى حد القول إن "الخطة هي امتداد مباشر للرؤية الإسرائيلية، هدفها فرض هدنة مؤقتة يتبعها جولة جديدة من الحرب".

هل تملك حماس أوراق تفاوض حقيقية؟

من الأسئلة الجوهرية التي تطرح اليوم: هل تمتلك "حماس" ما يكفي من أوراق القوة لتكون طرفًا تفاوضيًا مؤثرًا بعد كل ما جرى؟، ولا يجيب الأقطش بشكل مباشر، بل يعيد السؤال إلى سياقه التاريخي الأوسع، مذكرًا بأن المجازر الصهيونية بدأت قبل ظهور حماس بزمن طويل في أربعينيات القرن الماضي، وهو ما يسقط الحجة الإسرائيلية القائمة على ربط الحرب بالحركة وحدها.

وفي ظل استمرار الغارات الإسرائيلية وسقوط عشرات الضحايا يوميًا، كان آخرهم في قصف لنقطة توزيع مساعدات بغرب رفح، تبدو خطة ويتكوف وكأنها مجرد "حبر على ورق"، فاقدة للتأثير على الأرض، ما لم تتضمن بنودًا ملزمة بوقف العدوان ورفع الحصار.

سكاي نيوز