في تطور لافت على مسار المفاوضات المعقدة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، صباح الثلاثاء، عن تحركات دبلوماسية حثيثة تقودها كل من القاهرة والدوحة في محاولة لإنقاذ مسار التفاوض المتعثر بين حركة "حماس" وإسرائيل.
وتأتي هذه التحركات وسط ضغوط أمريكية متزايدة، وانفتاح حذر من جانب "حماس"، وتصلب في الموقف الإسرائيلي، الأمر الذي يعكس هشاشة الوضع الإقليمي وتعقيد المشهد السياسي والإنساني في القطاع.
حماس ترحب بالمبادرة
في بيان صدر مساء الأحد الماضي، أعلنت حركة "حماس" عن استعدادها الفوري للانخراط في جولة جديدة من المفاوضات، بهدف التوصل إلى اتفاق ينهي العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
اقرأ أيضًا:
- الدوحة تنتظر وتل أبيب تتراجع.. قرار إسرائيلي مفاجئ يربك مفاوضات غزة
- لماذا تفشل المفاوضات؟.. "مهندس صفقة شاليط" يكشف الحل الوحيد لإنهاء الحرب على غزة
ورحبت الحركة بما وصفته بـ"الجهود القطرية والمصرية المستمرة"، معربة عن أملها في أن تثمر هذه المساعي عن وقف دائم لإطلاق النار، ويأتي هذا الإعلان في أعقاب بيان مشترك صدر عن القاهرة والدوحة، أكد على استمرار الجهود لتذليل العقبات، بالاستناد إلى المقترح الذي قدمه المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
واشنطن تمارس الضغوط
وبحسب الصحيفة اللبنانية، فإن البيانين – الصادرين عن حماس ومن ثم عن مصر وقطر – جاءا في توقيت حساس يسعى لاحتواء موجة غضب أمريكية، نتيجة ما وصفه دبلوماسيون بـ"الرد السلبي" من الحركة على المقترح الأمريكي الأخير.
وكشفت مصادر دبلوماسية عن استياء كبير في واشنطن من موقف "حماس"، معتبرة أن الحركة تساهم في إفشال فرص التهدئة.
وبناءً على ذلك، كثف المسؤولون الأمريكيون اتصالاتهم بعدد من العواصم الإقليمية، لا سيما الدوحة، القاهرة وأنقرة، بهدف دفع هذه الدول لممارسة ضغط مباشر على قيادة "حماس" من أجل إعادة النظر في موقفها تجاه الاقتراح الأمريكي.
ووفق التحليلات، فإن بيان "حماس" الأخير جاء كمحاولة لإظهار مرونة سياسية وانفتاح على الوساطات، دون أن يشير صراحة إلى القبول بالمبادرة الأمريكية أو التعديلات المطروحة ضمنها.
موقف إسرائيل
في المقابل، قابلت إسرائيل هذا الانفتاح المعلن من "حماس" بشكوك شديدة، وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلاً عن مصادر إسرائيلية، أن بيان "حماس" لا يعكس "تحولاً حقيقياً" في موقفها، مشيرة إلى أن إسرائيل لم ترسل وفداً تفاوضياً إلى الدوحة في مؤشر واضح على اتساع الفجوات بين الطرفين.
وتؤكد هذه المصادر أن الفوارق بين موقفي الطرفين لا تزال "عميقة وربما تتسع أكثر"، معتبرة أن مرونة "حماس" الظاهرة ليست سوى خطوة تكتيكية تهدف إلى تحسين صورتها أمام الوسطاء والرأي العام الدولي، دون تقديم تنازلات جوهرية.
وفي السياق ذاته، ذكرت قناة "كان" العبرية أن المفاوضات لا تزال قائمة رغم ما وصفته بـ"تشدد المواقف"، مضيفة أن الولايات المتحدة وقطر ومصر تواصل جهودها لعقد جولة تقريب جديدة، وسط اتصالات مكثفة مع "حماس" لتقليص الهوة مع الجانب الإسرائيلي.
ونقلت القناة عن مصدر مطّلع قوله، إن المواقف لا تزال متباعدة، لا سيما في ما يخصّ قضية وقف الحرب بشكل دائم، إلا أن الوصول إلى اتفاق لا يزال ممكناً ضمن السيناريوهات القائمة.
محاور ضغط إقليمية
وفي إطار الجهود الإقليمية، أجرى رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم قالن، اتصالاً هاتفياً مع رئيس وفد "حماس" المفاوض، خليل الحية، تناول خلاله تطورات المفاوضات والمقترحات الأمريكية، ووفق ما نقلته وكالة "الأناضول"، شدد الطرفان على ضرورة الإسراع في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وصولاً إلى وقف دائم لإطلاق النار.
من جانبها، تستضيف العاصمة القطرية الدوحة لقاءات مكثفة، كان آخرها اجتماع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن مع عدد من قيادات "حماس"، لبحث المقترح الأمريكي وإمكانيات عقد جولة جديدة من المحادثات لتجاوز العقبات المتبقية، ونقل موقع "أكسيوس" الأمريكي أن اللقاء يأتي في سياق سلسلة تحركات تمهيدية نحو وساطة جديدة وشاملة.
أما القاهرة، فقد أبدت قلقاً متزايداً من تطورات الوضع الميداني في قطاع غزة، لا سيما في جنوبه، وأفادت الصحيفة بأن اتصالاً هاتفياً جرى مؤخراً بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، شهد أجواء متوترة، عكست تخوف مصر من تحول الحرب في غزة إلى حالة استنزاف إقليمي مزمنة.
وبحسب مصادر دبلوماسية، عبر عبد العاطي عن خشية بلاده من أن تؤدي العمليات الإسرائيلية في خان يونس إلى تغيير ديموغرافي في جنوب القطاع، قد يدفع بالفلسطينيين تدريجياً نحو الحدود المصرية، ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.
ولم تتردد القاهرة، وفقاً للمصادر، في تحميل الإدارة الأمريكية جزءاً من المسؤولية عن فشل المفاوضات، مشيرة إلى ما وصفته بـ"إدارة متخبطة للملف".
الخليج يدعو للتهدئة ويرفض التهجير
في سياق متصل، صدر بيان مشترك عن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقب اجتماعهم الأخير في الكويت، دعوا فيه إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ورفضوا بشكل قاطع أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وأشاد البيان بالدور المهم الذي تلعبه قطر، بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة، من أجل الوصول إلى تسوية شاملة، مؤكدين دعمهم الكامل لأي جهد سياسي ودبلوماسي يسهم في إنهاء الحرب.
كما لفت البيان إلى أهمية ما صدر عن "قمة فلسطين" الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بمطلب نشر قوات حماية دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كوسيلة لحماية المدنيين وكبح الانتهاكات.