في خضم الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى التوصل لوقف لإطلاق النار في قطاع غزة، برز اسم الدكتور بشارة بحبح كحلقة وصل محورية في مسار الاتصالات غير المباشرة بين الإدارة الأمريكية وحركة حماس.
فبعد نجاحه في لعب دور سابق في الإفراج عن أحد الرهائن الإسرائيليين، يواصل اليوم مشاركته في المحادثات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة، والتي تهدف إلى التوصل لاتفاق يوقف الحرب المستعرة منذ أشهر.
وسيط متعدد الأدوار
ارتبط اسم بسارة بحبح مؤخرًا بالمفاوضات التي جرت بين الإدارة الأمريكية وحماس، تحديدًا عبر المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي نقل رسائل متبادلة بين واشنطن وقيادة الحركة، وبالأخص إلى القيادي البارز في حماس غازي حمد.
اقرأ أيضًا:
- بشارة بحبح يكسر الصمت برسالة إلى الشعب الفلسطيني
- حماس تعيد صياغة ردها على مقترح ويتكوف.. هل نشهد انفراجة في المفاوضات قبل عيد الأضحى؟
وأسفرت هذه الوساطة عن خطوة نادرة تمثلت في إفراج الحركة عن الرهينة الإسرائيلي عيدان ألكسندر، الأمر الذي اعتُبر نجاحًا دبلوماسيًا غير تقليدي، ساهم فيه بحبح بشكل مباشر.
اللافت أن بحبح ليس غريبًا عن العمل السياسي الأمريكي، فقد شغل موقعًا حساسًا في المشهد السياسي عندما عمل كوسيط بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحركة حماس، وهو ما جعله أحد القنوات الخلفية التي لجأت إليها واشنطن للتواصل مع الحركة، رغم التصنيف الرسمي لها كتنظيم إرهابي من قبل الولايات المتحدة.
من داعم لترامب إلى مناصر للسلام
كان بشارة بحبح أحد أبرز وجوه الجالية العربية الأمريكية المؤيدة لترامب، حيث ترأس منظمة تدعى "عرب أمريكيون من أجل ترامب"، والتي لعبت دورًا مهمًا في تعزيز شعبية الرئيس الأمريكي في أوساط العرب الأمريكيين خلال الانتخابات الاخيرة، خاصة من خلال الترويج لتعهداته المتكررة بإنهاء الصراع في غزة، وهو ما لقي صدى واسعًا لدى قطاعات من الناخبين العرب.
لكن العلاقة بين بحبح وترامب شهدت تحوّلًا جذريًا، بعدما دعا الأخير في فبراير إلى سيطرة أمريكية مباشرة على قطاع غزة وطرد السكان الفلسطينيين من أرضهم، وهذا الموقف دفع بحبح إلى الانسحاب من معسكر ترامب، وتغيير اسم منظمته إلى "عرب أمريكيون من أجل السلام"، دون أن يقطع بالكامل خيوط التواصل مع بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى اتصالاته النشطة مع شخصيات نافذة في عدد من دول المنطقة.
حلقة الوصل مع حماس
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن بداية التواصل بين بحبح وقيادة حماس تمت عن طريق سهى عرفات، أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والتي زودته برقم هاتف القيادي في الحركة غازي حمد، المقيم خارج غزة.
ومهدت هذه الخطوة الطريق لتواصل مباشر بين الطرفين، ما عزز من قدرة بحبح على لعب دور الوسيط في واحدة من أكثر الملفات حساسية في المنطقة.
من لاجئ إلى أكاديمي بارز
ولد الدكتور بشارة بحبح عام 1958 في قلب القدس القديمة لعائلة فلسطينية عانت من مرارة النكبة، إذ اضطرت للنزوح إلى الأردن عام 1948 واستقرت في مخيم الزرقاء للاجئين لمدة عامين، قبل أن تعود مجددًا إلى البلدة القديمة عام 1950، وهذه النشأة وسط أجواء التهجير واللجوء تركت أثرًا عميقًا على توجهاته السياسية والفكرية لاحقًا.
بدأ رحلته الأكاديمية في أواخر السبعينيات من خلال منحة دراسية إلى جامعة بريغهام يونغ في ولاية يوتا الأمريكية، حيث تخصص في العلوم السياسية والاقتصاد، ومن هناك انتقل إلى جامعة هارفارد، حيث حصل على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية عام 1981، ثم واصل دراسته لينال الدكتوراه في الأمن الإقليمي عام 1983.
لم تكن مسيرته الأكاديمية أقل إشعاعًا من دوره السياسي، فقد عمل أستاذًا في جامعة هارفارد، وتولى منصب المدير المساعد لمعهد الشرق الأوسط داخل الجامعة، كما كان عضوًا في الوفد الفلسطيني المشارك في محادثات السلام متعددة الأطراف حول قضايا الأمن ونزع السلاح بين عامي 1991 و1993، ما يعكس عمق مشاركته في ملفات المنطقة المعقدة.
رؤية نقدية للتاريخ
وفي تصريحات سابقة لوكالة "فرانس برس"، وجه بحبح انتقادات حادة للدور الأوروبي في القضية الفلسطينية، معتبرًا أن أوروبا ساهمت في مأساة الفلسطينيين عندما حملتهم ثمن جريمتها تجاه اليهود، وأكد أن وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني شكل اعتداءً سافرًا على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وكأن البلاد كانت ملكًا للإمبراطورية البريطانية بينما لم تكن كذلك.
أما عن المزاعم الإسرائيلية التي تروج لفكرة أن فلسطين كانت "صحراء قاحلة" قبل قدوم اليهود، فقد فندها بحبح بشدة، مؤكدًا أن فلسطين قبل 1948 كانت بلدًا متقدمًا، تمتلك مصانع للقطارات ومدنًا نابضة بالحياة وثقافة حضارية مزدهرة، واصفًا الرواية الصهيونية بـ"الأكذوبة السياسية ذات الأهداف التبريرية".