"شبح القسام" يتقدم الصفوف.. كيف أعادت حماس ترتيب أوراقها تحت النار؟

عز الدين الحداد
عز الدين الحداد

بعد مرور أكثر من 600 يوم على اندلاع الحرب الضارية في قطاع غزة، ظهر اسم عز الدين الحداد المعروف بلقب "شبح القسام" كقائد جديد للجناح العسكري لحركة حماس خلفًا لمحمد السنوار الذي قتل في غارة جوية إسرائيلية في مايو الماضي. 

ويمثل صعود الحداد منعطفًا لافتًا في مسار الصراع داخل غزة، حيث تأتي قيادته وسط انهيار جزئي لقدرات الحركة العسكرية وتراجع نفوذها في بعض مناطق القطاع بالتوازي مع استمرارها في الحفاظ على قبضتها القوية بل و"المهيمنة" على أجزاء واسعة من القطاع المدمر.

اقرأ أيضًا:

ورغم ما تواجهه الحركة من ضربات متكررة وخسائر فادحة على مستوى القيادات والأفراد، فإن سيرة الحداد وتكليفه بهذا المنصب الحساس يكشفان عن قدرة تنظيمية فائقة لحماس في إعادة ترتيب أوراقها وهيكلها العسكري، الأمر الذي يشكل تحديًا إستراتيجيًا لإسرائيل التي تعلن سعيها المستمر للقضاء التام على الحركة.

الشخصية الغامضة

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن الحداد هو ثالث قائد لكتائب القسام في غزة خلال سبعة أشهر فقط، وقد تسلم القيادة في ظل حالة من الفراغ القيادي بعد أن قتل معظم أعضاء المجلس العسكري الأعلى للحركة، وكان المجلس يضم اثني عشر قائدًا قبل الحرب، لكن تبقى منهم قيد الحياة عدد قليل فقط، ما جعل الحداد يتبوأ منصبه دون منافسة واضحة.

ويعتبر الحداد شخصية محورية داخل حماس، حيث ارتبط اسمه مباشرة بالتخطيط لهجمات السابع من أكتوبر، كما يشرف بشكل مباشر على ملف الرهائن الإسرائيليين، وأشارت الصحيفة إلى أن الحداد يحتفظ على هاتفه المحمول بصور لعدد من هؤلاء الرهائن، ويعتقد أنه التقى شخصيا ببعضهم.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عربية وإسرائيلية أن الحداد كلف كذلك بمهام تجنيد المقاتلين الجدد، وهو الدور الذي يعكس حاجة الحركة لتعويض خسائرها البشرية المستمرة، مع الحفاظ على فعالية تنظيمها العسكري في الوقت نفسه.

تفاصيل لقاءات الحداد مع الرهائن

واحدة من أكثر النقاط حساسية في التقرير الأمريكي تمثلت في روايات رهينة إسرائيلي تم الإفراج عنه، ذكر فيها أنه التقى الحداد خمس مرات خلال فترة أسره. 

وقال إن اللقاء الأول جرى في مارس 2024، حيث دخل الحداد وجلس على الأرض بجانب الرهائن وبدأ الحديث معهم بالعبرية، سائلًا "ما شلومخيم؟" أي "كيف حالكما؟"، وواصل الحديث بهذه اللغة طوال اللقاء، مما يعكس وعيًا عسكريًا ونفسيًا دقيقًا في التعامل مع الأسرى.

وفي إحدى المناسبات، أمر الحداد عناصره بإحضار كتاب كان أحد الرهائن قد نسيه أثناء نقله في إشارة إلى طريقة تعامل تظهر بعض ملامح التنظيم والاهتمام بالتفاصيل، إلا أن اللقاء اللاحق بين الطرفين في يناير جرى في أجواء مختلفة؛ حيث بدا الحداد متغيّرًا، بوجه مغطى وسلوك أكثر جمودًا، واشتكى حينها من جرائم حرب إسرائيلية وانتهاكات ترتكب ضد الأسرى الفلسطينيين، بحسب ما أفاد به الرهينة. 

وعلم هذا الأخير لاحقًا أن أحد أبناء الحداد قتل مؤخرًا على يد الجيش الإسرائيلي ما يفسر التغير الواضح في نبرة الحداد وتعابيره.

النفوذ المستمر رغم التراجع

رغم تعرضها لخسائر كبيرة، لا تزال حماس تحتفظ بسيطرة قوية على معظم القطاع، خاصة في ظل تفكك منافسيها وظهور ميليشيا جديدة تدعمها إسرائيل داخل القطاع، وهي تطورات ينظر إليها كأداة إسرائيلية لمحاولة زعزعة نفوذ الحركة.

وفي هذا السياق، أعدمت حماس عددًا من الأشخاص الذين اتهمتهم إما بسرقة المساعدات أو بالانتماء لميليشيا "ياسر أبو شباب" الموالية لإسرائيل، وهو ما يؤكد استمرار قبضة الحركة الأمنية رغم الاحتجاجات الشعبية وخصوصًا في مدينة رفح التي شهدت توترًا ملحوظًا مؤخرًا.

وقال مايكل ميلشتاين، الرئيس السابق لشؤون الفلسطينيين في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن حماس أضعف بكثير مما كانت عليه قبل عشرين شهرًا، ولكن يجب أن نكون دقيقين، فهي ما زالت الطرف المهيمن في غزة.

المسيرة الأمنية للحداد

ينحدر عز الدين الحداد من الصفوف الأمنية والعسكرية المتقدمة داخل حماس، حيث تدرج في كتائب القسام وتولى قيادة عدة مجموعات ميدانية قبل أن يصعد إلى قيادتها العامة.

كما عمل سابقًا في جهاز "المجد" – جهاز المخابرات الداخلية التابع للحركة – والذي كان يشرف عليه يحيى السنوار شخصيًا، وكانت مهمته رصد العملاء وملاحقة الجواسيس داخل القطاع، ما منح الحداد خبرة أمنية واستخبارية واسعة أهلته للمنصب في ظرف دقيق.

وكالة سما الإخبارية