يعقد الاتحاد الأوروبي، غدًا الاثنين، اجتماعًا مفصليًا لمناقشة تداعيات الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، في ظل تصاعد الضغوط الداخلية لإعادة النظر في الشراكة القائمة مع إسرائيل.
اجتماع أوروبي حاسم
ومن المقرر أن يبحث وزراء خارجية دول الاتحاد مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، بناءً على تقييم وشيك لمدى التزام تل أبيب ببنود حقوق الإنسان الواردة في الاتفاق الثنائي المنظم للعلاقات بين الطرفين.
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان الاتحاد عزمه مراجعة مستوى امتثال إسرائيل للاتفاق، في ضوء التدهور المستمر في غزة.
ومن المقرر أن تنعقد هذه المشاورات في سياق تحول سياسي متزايد داخل التكتل الأوروبي، تقوده عدة دول أعضاء، مستندًا إلى رأي استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية، قضى بعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من مبادرة فردية إلى تحالف أوروبي
وكان وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، قد أطلق دعوة واضحة لمراجعة المادة الثانية من اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، في 7 مايو 2025، التي تنص على احترام حقوق الإنسان كعنصر جوهري في العلاقات الثنائية، وقد لقيت هذه الدعوة دعمًا فرنسيًا، حيث طالبت باريس المفوضية الأوروبية بإجراء تقييم شامل لالتزامات إسرائيل.
وفي 20 مايو، أيدت 17 دولة من أصل 27 في الاتحاد الأوروبي فكرة مراجعة الاتفاق، فيما عارضتها تسع دول، إذ من المرجح أن يفتح هذا التوجه الباب أمام فرض عقوبات تجارية على إسرائيل.
وفي اليوم ذاته، أفادت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، كايا كالاس، بأن "غالبية" الدول الأعضاء تدعم هذا المسار، بسبب ما وصفته بـ"الوضع الكارثي في غزة".
وضمت الدول المؤيدة كلاً من بلجيكا، والدنمارك، وإستونيا، وفنلندا، وفرنسا، وأيرلندا، ولوكسمبورغ، ومالطا، وبولندا، والبرتغال، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، وإسبانيا، والسويد.
أما الدول الرافضة فشملت بلغاريا، وكرواتيا، وقبرص، والتشيك، وألمانيا، واليونان، وهنغاريا، وإيطاليا، وليتوانيا، بينما اتخذت لاتفيا موقفًا محايدًا.
وبحلول 27 مايو، وافقت الحكومة الأيرلندية على مشروع قانون يحظر استيراد البضائع والخدمات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، لتصبح أول دولة أوروبية تتخذ خطوة تشريعية مماثلة.
ومن جهته، وصف رئيس الوزراء إيرلندا ميشيل مارتن، القرار بأنه "رمزي" وضروري لممارسة ضغط حقيقي نحو وقف إطلاق النار في غزة، بينما أكد وزير الخارجية سيمون هاريس أن الهدف هو إلهام باقي الدول لاعتماد نهج مماثل.
وفي 12 يونيو، أكدت وزيرة الخارجية السويدية، ماريا مالمر ستينرغارد، أن بلادها ستسعى لفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين ومستوطنين متطرفين، لافتة إلى تغير المزاج السياسي الأوروبي تجاه إسرائيل، نتيجة الإحباط من استمرار معاناة ملايين الفلسطينيين.
كما وجه وزراء خارجية تسع دول أوروبية (بلجيكا، فنلندا، أيرلندا، لوكسمبورغ، بولندا، البرتغال، سلوفينيا، إسبانيا، والسويد)، في 19 يونيو، رسالة إلى كايا كالاس، دعوا فيها المفوضية الأوروبية إلى تقديم مقترحات محددة تهدف إلى وقف التجارة مع المستوطنات المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي اليوم ذاته، أكد وزير الخارجية البلجيكي، ماكسيم بريفو، على ضرورة توافق السياسات التجارية الأوروبية مع القانون الدولي، مشددًا على أن "التجارة لا يمكن أن تكون منفصلة عن مسؤولياتنا القانونية والأخلاقية، ويتعلق الأمر بضمان عدم إسهام سياسات الاتحاد في تثبيت وضع غير قانوني".
والجدير بالإشارة أن الرسالة استندت إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024، والذي أكد عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية، وطالب الدول لاتخاذ تدابير تحول دون دعم هذا الواقع، بما يشمل الامتناع عن أي أنشطة تجارية أو استثمارية تعززه.
مؤشرات على خرق الاتفاق
في 20 يونيو، أصدر جهاز العمل الخارجي الأوروبي (EEAS) تقريرًا داخليًا أشار إلى وجود "مؤشرات موثوقة" بأن إسرائيل ربما انتهكت المادة الثانية من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، التي تلزم الطرفين باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية كأساس للعلاقات الثنائية.
ولفت "التقرير"، إلى انتهاكات محتملة تتضمن فرض قيود متعمدة على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، واستهداف منشآت طبية، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، بالإضافة إلى تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية دون مساءلة.
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من هذا التقييم الجاد، لم يوصِ التقرير في هذه المرحلة باتخاذ خطوات عقابية فورية، مثل تعليق الاتفاق أو فرض عقوبات، لكنه من المقرر أن يعرض على وزراء الخارجية الأوروبيين خلال اجتماعهم المرتقب في بروكسل.
ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ يشكل نحو ثلث تجارتها في البضائع، وقد بلغت قيمة التجارة الثنائية بين الطرفين 42.6 مليار يورو (48.91 مليار دولار) العام الماضي، غير أن حجم التعاملات المتعلقة بالمستوطنات لم يفصح عنه بشكل دقيق.
خطوات خارج الاتحاد الأوروبي
وبالتزامن مع هذا الحراك داخل التكتل الأوروبي، اتخذت دول أخرى مواقف مماثلة، ففي 10 يونيو، أعلنت النرويج بالتنسيق مع بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، فرض عقوبات على الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تضمنت تجميد أصولهم وحظر سفرهم، على خلفية التحريض على العنف ضد الفلسطينيين.
وبحلول 20 مايو، أقدمت بريطانيا على إجراءات مماثلة تمثلت في تعليق مبيعات الأسلحة والمفاوضات الجارية بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، إلى جانب فرض عقوبات على مستوطنين وكيانات استيطانية، واستدعاء السفيرة الإسرائيلية لدى لندن تسيبي هوتوفيلي على خلفية توسع العمليات العسكرية في غزة.
معركة الإجماع والتأثيرات المحتملة
ويشار إلى أن هذه التطورات تعكس مدى الالتزام الأوروبي متزايدًا بمبادئ القانون الدولي، إلا أن هذه المساعي تصطدم بعقبات قانونية داخلية.
وبحسب المادة 31 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، فإن أي قرار يخص السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، بما في ذلك فرض عقوبات على مسؤولين حكوميين، يتطلب اتخاذ إجماع الدول الأعضاء الـ27، ما يشكل عائقًا كبيرًا، لا سيما في ظل وجود دول داعمة لإسرائيل، ويحد من إمكانية اتخاذ موقف أوروبي موحد.
وفي المقابل، فإن تعليق الجوانب التجارية من اتفاق الشراكة، أو مراجعة برامج التعاون مثل Horizon Europe، يمكن أن يتم عبر آلية "الأغلبية المؤهلة"، والتي تتطلب موافقة 55% من الدول الأعضاء تمثل 65% من السكان، مما يفتح المجال أمام تحرك أوروبي محدود دون حاجة إلى إجماع مطلق.
والجدير بالذكر أن الاجتماع المرتقب لوزراء الخارجية في بروكسل اختبارًا جوهريًا لقدرة الاتحاد الأوروبي على ترجمة مواقفه القانونية والسياسية إلى إجراءات عملية، ومع تصاعد الدعوات لمساءلة إسرائيل داخل أوروبا، وارتفاع الدعم الشعبي والإعلامي لحقوق الفلسطينيين، تبدو مراجعة اتفاقية الشراكة أكثر اقترابًا من أي وقت مضى، رغم أن فرض عقوبات شاملة ما زال مرهونًا بالتوازنات الدقيقة داخل الاتحاد.