السياسة من خلف الستار

بقلم:عيسى دياب

نحن بيئة إجتماعية لا يمكننا العيش في عوالمنا الخاصة إنما نتشاطر الجلسات والأحاديث كل ليلة فتعلوا الأصوات في جدال يومي مختلفين على قوة تلك الدولة أو عمالة ذلك النظام وهشاشة أمريكا او عظمتها وفي كل ليلة نجزء دول العالم ونعدد مزاياها وعيوبها حسب خلفية كل متحدث ثم نختتم الجلسة بعد ٣ ساعات ذاهبين إلى النوم منا سعيد بشعوره بالإنتصار ومنا غاضب متحسب لنقاش الغد فنعود في المساء التالي على كراسي البارحة مع اسلوب البارحة الذي يتكرر منذ ان نضجنا!! 
في أغلب الأحيان أشارك وجهة نظري لا لأكسب حوار او موقف إنما أريد من جلسائي ان يقفزوا إلى الأفق الذي يرون فيه الأحداث من فوق ليكون المسرح مكشوفاً للبصيرة فيروا الممثلين وتتظهر جلسات واحداث ما وراء الستار فلا يعودوا من الضالين محاولاً العبث في بنية مستقبلاً لا يزال قاتماً بتوارث الطبائع والقدرة المهولة على رفض التعلم وحب الإطلاع وحتى التفكير، نسمع الكثير الكثير من الناس عند إبداء أرائهم وكأنهم يعيدون عليك قراءة خبر في مانشيت تلفزيون ما او مقال لكاتب معين دون تفنيده ومعرفة سبب المقال والخبر او خلفية المخبر وأهدافه كما لي هدف من مقالي وخلفية ولن يستمع لك أبداً لأنه صمَّ أذنيه بإرادته مع التركيز على أنك إنهزامي ومنبطح وكأن المثل الإنجليزي " أنا أشير إلى القمر والأحمق ينظر إلى إصبعي " هو مركب وعنصر أساسي في هذه الحياة من نشأتها إلى نهايتها، لا يمكن أن يرى الإنسان خيراً حتى يتعلم ويجتهد لإكتساب المهارة في مجال ما، فهناك كهربائي سيارات في حينا لا يزال منذ ٣٠ عاماً يقوم بإصلاح شيء ما مثل مصباح النور ولكنه يدمر نظام الكهرباء في السيارة للتتوقف عن العمل ولا يزال الناس يقصدونه للصيانة ثم يسبونه ثم يقصدونه ثم يسبونه وتطول الزيارات وتعظم المسبات، لا بد للكهربائي أن يطور من نفسه للقيام بمهمته بمهارة ولا بد للناس أن يقاطعوه!
 
اليوم أصبحت أيران بطلت العالم والكل يتحدث عن بطولاتها وصواريخها بعيدة المدى والقدرة التفجيرية، طبعاً لا أشك أبداً ان صواريخها بعيدة مدى وقدرتها التفجيرية قوية ولكنني أشك في كيفية وصولها!
هذا الأكشن بمؤثراته الصوتية المنومة للعقل العربي الذي سيطر على حواسهم أطلق الألسن بالشتائم على العالم العربي الجبان والزعماء المتأمرين فأصبحوا غير قادرين على مراجعة تاريخ المقاومة العربية والإسلامية ضد الإستعمار الحديث وآلاف المقاتلين العرب الذين استشهدوا في فلسطين ولبنان ومصر والأردن وسوريا والعراق وهم يحاربون على الجبهات في وجه العصابات اليهودية المدعومة بأحدث الأسلحة الغربية بينما كانت "" البارودة الإنكشارية "" سلاح العرب مع مركبات إستهلكها الإنتداب ولا يريد احد أن يتذكر حرب ١٩٧٣ التي فاجئ بها العرب الإحتلال الإسرائيلي فأمتلأت سماء الشرق الأوسط بالطائرات البريطانية والفرنسية والأمريكية إنتصاراً لمشروعهم وإنجازات الثورة الفلسطينية التي أعادت المقاومة إلى ارض الوطن والمؤامرات السياسية الداخلية وتتالي الإنقلابات في الاوطان العربية لشق الصف العربي والرقابة الشديدة على تطور الأحداث في العالم العربي وفكره وصناعته وزراعته بينما تنمو الثورة الإيرانية وأسلحتها وأذرعها على عين الغرب.

يستوقفني مشهد جديد يضاف إلى الكثير من المشاهد التي تستدعي مني البرود العاطفي تجاه الأحداث.
 
الموقف الأمريكي وهو الأهم بالنسبة لي لأن أمريكا إن لم تكن زعيمة العالم اليوم وهي كذلك، هي رأس الحلف الذي يخشى من النظام الإيراني على حد قولهم، الموقف الأمريكي كان واضحا تماما، يطلب من النظام الإيراني الموافقة على المفاوضات لا بل يتوسله للتفاوض  ليس خوفا منه او من خسارة أي شي أكثر من خسارته للنظام نفسه القائم على ترويع الجوار العربي وذو المشروع الإيديولوجي والتمدد وأطلال الإمبراطوية، لا يريد الغرب إنهاء النظام الإيراني الذي بسبب إنجازاته في الشرق الأوسط ضُربت كؤوس النصر في الجهة المقابلة، من الطبيعي أن إيران دولة تاريخية كبيرة فلا أنتقص من قدرها أبداً ولكنها عندما كانت تحقق إستراتيجيتها كانت تحت المجهر الأمريكي الغربي الذين كانوا يدونون كل تقدم في الملفات كافة سواءً الملف النووي والتوسع في الشرق الأوسط وفي التوقيت المناسب أتى زمن إعادتها إلى داخلها مع جهوزية إستخدام المشروع مرة أخرى بعد ٥٠ عاماً مثلاً في حال قرر العرب ان يغيروا في شيء ما.

في كل هذا لا أمتدح أنفسنا أبداً لأننا طغاة نغطي خللنا الجيني بحديث عن الرسول الكريم من هنا وبيت شعر من هناك ووجدت أن جميع المشائخ يتوحدون على أن الإسلام هو الطريقة الوحيدة لعز هذه الأمة وبعد طول تفكير وجدت أن كلامهم الحق ولكن عن أي إسلام يتحدثون؟ عن الإسلام الذين تصان في حقوق العباد ويسوده العدالة ويرفع قدر التقي وينبذ الفاسق الفاجر لو مهما على شأنه، إسلام يثقل شخصك بأن تتبين قبل التحدث ان تكون صبورا حليماً حكيماً نظيفاً بشوشاً محباً ونصوحاً، تحفظ حرمة الجيرة ومال اليتيم والميراث وتبني مشاركاً مجتمعاً فضيلاً وغيرها من محامد الافعال التي ترضي الله سبحانه وتعالى إلى أن أتى صديقنا من أمريكا فسألناه بهلفة كيف هي الحياة في أمريكا "لأننا نتشوق للعيش هناك" فقال بلاد إسلام بدون مسلمين، أي يقصد العدالة، الحرية، الصدق في المعاملة وعدم التمييز بين الناس من الجهات الرسمية وها هو صديقنا الذي يعمل في كراج تصليح إطارات السيارت في امريكا وجهه مشدود وتبدو عليه علامات الراحة أما نحنا فنكبر أعمارنا ب ١٥ سنة!!! 
 
يا ليتنا قبلنا بالتقسيم!

هل انت ضد أمريكا؟ ستقول نعم ولكن أنظر إلى الأمبراطورية  لو كانت انت، فمثلاً الروس يحلمون بالسيطرة على العالم فهل سيكونوا أفضل أم الصين؟ أم إيران! لا أذكر انفسنا كعرب لأننا لا نستطيع حكم حي من أحياء قرية بسبب خلافتنا ووجهات نظرنا التي لا تلتقي أبداً فكيف لنا حكم العالم!

 أمريكا بالتأكيد أفضلهم لأنها ببساطة قائمة على دستور "انا أتحدث عن الداخل" وقوانين تعدل بين الناس فيها لذلك يحاول أكثرية الناس الهجرة إليها وهي مبنية على تحقيق مصالحها فتذكر عملية سندان نوبل التي قصفت بها أمريكا يوغسلافيا!
 فإما أن تأسس إمبراطورية لتحكم أنت بعدلك العالم وإما أن تشتري لك صوتاً في أمريكا وذلك أفضل من شعورك بالإنتصار المسائي قبل النوم الذي لن يزيل الذباب من غرفة نومك وستبقى تصارع الذباب لأنه لن ينتهي!

البوابة 24