قطاع غـزة وسياسة الجوع القسري:التحديات القانونية وآفاق المحاسبة

د. هاني عواد

باحث في وحدة الدراسات القانونية

معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

الملخص

تتناول هذه الدراسة واحدة من أخطر السياسات التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والمتمثلة في منع و/أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى أكثر من مليوني فلسطيني، بهدف استخدام التجويع كسلاح حرب. تُعتبر هذه السياسة جريمة حرب بموجب القانون الدولي، حيث تتعارض مع نصوص الاتفاقيات الدولية التي تحظر استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين. اعتمد الباحث على منهجية تحليل النصوص القانونية لتحديد مدى تطابق هذه السياسات مع ما ورد في نصوص الاتفاقيات الدولية التي تجرم سياسة التجويع، بالإضافة إلى منهج وصفي تحليلي لتقييم الواقع الميداني لهذه الممارسات. وقد أظهرت الدراسة وجود أدلة واضحة تثبت تعمد إسرائيل استخدام التجويع كوسيلة لإخضاع السكان الفلسطينيين في القطاع. بناءً على ذلك، أوصت الدراسة بضرورة تدخل المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الحقوقية، للوفاء بإلتزاماتها ومسؤولياتها القانونية والأخلاقية والعمل بشكل عاجل على وقف هذه الانتهاكات التي تشكل تهديدًا للإنسانية والقانون الدولي.

الكلمات المفتاحية: قطاع غزة، حرب الابادة الجماعية، الاحتلال الاسرائيلي، سياسة التجويع القسري. القانون الدولي.

Abstract

This study examines one of the policies implemented by the Israeli occupation government in the Gaza Strip, specifically the prevention and/or obstruction of humanitarian aid access to over two million Palestinians, using starvation as a coercive tool. Such a policy constitutes a war crime under international law, as it contravenes international agreements that explicitly prohibit the use of starvation as a weapon against civilians. The researcher employed a legal text analysis methodology to assess the alignment of these policies with provisions in international agreements that criminalize starvation tactics, alongside a descriptive-analytical approach to evaluate the on-ground reality of these practices. The findings of the study reveal clear evidence of deliberate actions by Israel to utilize starvation as a means of subjugating the Palestinian population in Gaza. Consequently, the study recommends that the international community, including the United Nations, the Security Council, and human rights organizations, take urgent action to uphold their legal and moral responsibilities and halt these violations, which pose a grave threat to humanity and international law.

Keywords: Gaza Strip, genocidal war, Israeli occupation, forced starvation policy. International law.

المقدمة

منذ عام 2007، فرضت إسرائيل قيودًا مشددة على قطاع غزة، معتبرة إياه كيانًا معاديًا، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وانعدام الأمن الغذائي بشكل ملحوظ. وفي أعقاب الأحداث التي وقعت في السابع من أكتوبر 2023، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن تصعيد غير مسبوق للحصار المفروض على القطاع، حيث شمل ذلك إغلاقًا شاملاً ومنعًا كاملاً لدخول المواد الأساسية مثل الوقود لإنتاج الطاقة والطعام والعلاجات الطبية.... وقد صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بأن هذا الإجراء يهدف إلى الضغط على سكان القطاع، مستخدمًا لغة تصعيدية حين وصف سكان غزة بـ"الحيوانات البشرية"، وتفاخر مسؤول آخر بأن إسرائيل لن تدخل حبة قمح واحدة الى القطاع. هذه التصريحات والإجراءات أثارت قلقًا دوليًا واسعًا حول التداعيات الإنسانية لهذا الحصار، خاصة في ظل اعتماد سكان القطاع على المساعدات الخارجية لتلبية احتياجاتهم الأساسية[1].

ترجمت حكومة إسرائيل الاقوال الى افعال وفرضت حصارًا خانقًا على قطاع غزة، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كبير. شمل الحصار إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول المساعدات الإنسانية الأساسية، بالإضافة إلى قطع إمدادات الوقود والكهرباء، مما أثر بشكل مباشر على حياة السكان المدنيين. كما استهدفت العمليات الإسرائيلية البنية التحتية الحيوية، مثل شبكات المياه ومحطات التحلية، وتسبب ذلك في خلق أزمة حادة في توفير المياه النظيفة للشرب والاستخدام البشري. علاوة على ذلك، تم تدمير وتجريف الأراضي الزراعية، فإنعدم الأمن الغذائي للسكان وزاد من معاناتهم. توقفت العديد من الخدمات الأساسية في القطاع بشكل شبه كامل، وتركت إسرائيل السكان في مواجهة تحديات يومية تتعلق بالحصول على الاحتياجات الأساسية للحياة. هذه الإجراءات أدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعيش الكثيرون في ظروف مأساوية تتسم بانعدام الأمن الغذائي المزمن والافتقار إلى الخدمات الأساسية.

تعد الإجراءات التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية، حيث تتضمن هذه الإجراءات ممارسات تصنف كعقوبات جماعية وحرب إبادة جماعية، من بينها استخدام الجوع القسري كوسيلة وأداة للحرب. هذه السياسات تتناقض بشكل واضح مع أحكام القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الأربعة التي تهدف إلى حماية المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وميثاق روما الأساسي الذي ينظم عمل المحكمة الجنائية الدولية. إن مثل هذه الممارسات تستدعي تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي لضمان احترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وحماية المدنيين من الانتهاكات الجسيمة[2].

في هذا السياق، تواصل إسرائيل انتهاكها للمواثيق والمعايير الدولية، متجاهلةً المطالبات الأممية الصادرة عن المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان والمحاكم الدولية. ورغم الدعوات المستمرة لتقيدها بالقانون الدولي، فإن النظام الدولي يواجه تحديات كبيرة في اتخاذ إجراءات فعالة لردع هذه الانتهاكات، مما يؤدي إلى حالة من الشلل في تحقيق العدالة الدولية. ويُعزى هذا الوضع إلى الدعم السياسي المستمر الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل داخل مجلس الأمن، الأمر الذي يعزز من تفاقم الأزمة ويعوق الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.

تناقش هذه الدراسة موضوع غزة والجوع القسري باعتباره سلاحًا محرمًا وفقًا للمعايير القانونية الدولية، مع التركيز على التحديات القانونية المرتبطة بمثل هذه الانتهاكات وآفاق الملاحقة القضائية. تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث رئيسية تهدف إلى تحليل الأبعاد القانونية لهذه القضية، تسليط مزيداً من الضوء على الواقع الميداني والحالة الإنسانية في قطاع غزة. وويستعرض المحور الثالث الآليات القانونية المتاحة لمساءلة قادة إسرائيل، بالإضافة إلى استشراف الحلول الممكنة لتعزيز العدالة وحماية حقوق الإنسان في سياق النزاعات المسلحة:

أولاً: سياسة الجوع القسري والابعاد القانونية

مفهوم جريمة الجوع القسري

الجوع القسري يُعتبر أحد الأساليب غير الإنسانية التي تُستخدم في سياقات النزاعات المسلحة والحروب، حيث يتم حرمان المدنيين بشكل متعمد من الموارد الأساسية والضرورية لاستمرار حياتهم، مثل الغذاء والماء والدواء. هذه السياسة تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أو عسكرية من خلال الضغط على الجماعات المستهدفة أو إجبارها على الاستسلام. وتتجلى هذه الممارسة عادةً في فرض حصار على مناطق معينة، مما يؤدي إلى منع وصول الإمدادات الإنسانية والمواد الحيوية للسكان المحليين، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية التي تُلزم بحماية المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة والحروب[3]

ضمن هذا المفهوم، يُعتبر استخدام التجويع القسري كسلاح في النزاعات المسلحة انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ويمثل جريمة حرب تُجرّمها الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك نظام روما الأساسي. ويهدف هذا الأسلوب غير الإنساني إلى تحقيق أغراض سياسية وعسكرية من خلال استهداف السكان المدنيين بشكل مباشر عبر الحصار، تدمير الموارد الأساسية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية والمواد الإغاثية. إن مثل هذه الممارسات تُعدّ من أكثر أشكال الانتهاكات خطورة، حيث تُعرّض حياة الأفراد للخطر وتُفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير. وبالنظر إلى الطبيعة الجسيمة لهذه الجريمة، فإن القانون الدولي يفرض مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية، بالإضافة إلى مسؤولية القادة والرؤساء عن أي أعمال ترتكب تحت قيادتهم أو بتوجيهاتهم.

الجوع القسري يُعدّ أحد أخطر أشكال الانتهاكات الإنسانية التي تُمارس في سياقات الصراعات والحروب، حيث يتم استخدامه كأداة ضغط سياسي وعسكري لإجبار الخصوم على الاستسلام أو تحقيق أهداف استراتيجية. يتميز هذا النوع من التجويع بالنية المتعمّدة في حرمان السكان من الغذاء عبر تعطيل سلاسل الإمداد، سواء من خلال الحصار أو الاستهداف المباشر، بالإضافة إلى منع و/أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية. وقد أظهرت أمثلة تاريخية مدى فداحة هذا الأسلوب، على سبيل المثال، حصار لينينغراد من قبل النازيين الالمان خلال الحرب العالمية الثانية، حيث مات قرابة مليون مدني نتيجة للجوع في محاولة لإبادة السكان دون قتال. كما شهدت سراييفو في البوسنة حصاراً دام سنوات من قبل القوات الصربية، مما أدى إلى معاناة إنسانية كبيرة رغم الجهود الدولية للإغاثة.

مفهوم الجوع القسري في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني

تنص المادة 54 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام 1977 على[4]:

حظر تجويع المدنيين: يحظر تجويع المدنيين كأحد أساليب الحرب ويعتبر ذلك انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.

حماية الأعيان الضرورية: تُحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين، مثل الأغذية والمحاصيل الزراعية والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكات الري.

بالمثل، تتضمن المادة 8 من نظام روما الأساسي أيضاً تجريماً وحظراً تاماً على إستخدام التجويع كأسلوب حرب، وورد في النص:

[ تجويع المدنيين عمداً بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك عرقلة الإمدادات الإغاثة، على نحو يخالف أحكام القانون الدولي]
وركزت المواد 23 ،55 و59 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949على حماية المدنيين وضمان وصول الإمدادات الضرورية إليهم:[5]

تنص المادة 23 على: السماح بمرور مواد الإغاثة الغذائية والطبية إلى السكان المدنيين.

المادة 55: تلزم الدولة المحتلة بضمان توفير الغذاء والدواء للسكان في الأراضي المحتلة.

المادة 59: تدعو إلى السماح بعمليات الإغاثة في حال وجود نقص شديد في الإمدادات.

ويُعتبر التجويع كسلاح حرب ضد السكان المدنيين من الممارسات المحظورة وفقًا للقانون الدولي العرفي، حيث يُشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية. وقد أكدت المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أهمية ضمان الحق في الغذاء الكافي للجميع، مشيرةً إلى أن الدول مُلزَمة قانونيًا بعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها حرمان السكان من الوصول إلى الغذاء. هذا الالتزام يُعد جزءًا من المسؤولية الدولية لضمان الكرامة الإنسانية والحفاظ على الحياة، خاصةً في ظل النزاعات المسلحة التي تهدد الفئات الأكثر ضعفًا[6]. وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، صراحة على [ لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة من حيث الغذاء][7].

بالاضافة الى ذلك، تُعتبر حماية وصول المساعدات الإنسانية وضمان عدم استخدام الجوع كسلاح من المبادئ الأساسية التي أكدت عليها قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2417 لعام 2018. هذا القرار يُدين بشكل واضح استخدام التجويع كوسيلة للضغط أو الانتقام، ويُبرز العلاقة الوطيدة بين النزاعات المسلحة وانعدام الأمن الغذائي وخطر المجاعة. ويشدد القرار على أهمية اتخاذ تدابير فعّالة لضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، خاصة في المناطق المتضررة من الصراعات، حيث يكون السكان الأكثر عرضة للخطر. كما يدعو الأطراف المعنية إلى احترام القانون الدولي الإنساني والالتزام بمسؤولياتها تجاه حماية المدنيين وضمان حقهم في الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية دون تمييز أو استغلال[8].

ثانياً: الحالة الإنسانية في قطاع غزة وموقف المنظمات الدولية

الواقع الميداني

فرضت إسرائيل حصارًا مشددًا على قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، حيث شمل الحصار منع دخول المواد الأساسية مثل الغذاء والماء والوقود والأدوية. جاء هذا القرار من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتم الإعلان عنه من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يواف غالانت، الذي برر الإجراءات بأنها تستهدف "حيوانات بشرية"، على حد وصفه، وأكد أن القطاع سيُحرم من الكهرباء والموارد الأساسية. أدى هذا الحصار إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، حيث تعرضت البنية التحتية لدمار واسع النطاق، مما أسفر عن انهيار النظامين الغذائي والصحي بشكل خطير.واصبح سكان القطاع يعيشون في ظروف قاسية تحت وطأة هذه الإجراءات.

تشير تقارير صادرة عن منظمات دولية مثل الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) وأطباء بلا حدود وهيومن رايتس ووتش ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى وجود أزمة إنسانية خطيرة تهدد حياة نحو مليوني شخص، حيث يواجهون خطر المجاعة نتيجة نقص الغذاء وسوء التغذية الحاد. هذه الظروف أدت إلى ارتفاع معدلات الوفيات، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفًا مثل حديثي الولادة والأطفال. وتؤكد هذه المنظمات على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لتقديم الدعم الإنساني العاجل وتوفير الموارد الأساسية لضمان بقاء هؤلاء الأشخاص على قيد الحياة. واكدت منظمة العفو الدولية أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم التجويع الممنهج كسلاح حرب ضد المدنيين في قطاع غزة، مشيرة إلى أن شهادات السكان تكشف عن وجود نظام قاتل يتزامن مع التهجير القسري والقصف المستمر[9]. وتبين الأدلة التي جمعتها منظمة العفو الدولية أن إسرائيل، ومنذ أكثر من شهر على بدء نظام توزيع المساعدات ذي الطابع العسكري، تواصل استخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل، وتتعمّد فرض ظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كجزء من الإبادة الجماعية المستمرة[10].

تشير التقارير الصادرة عن المنظمات الإنسانية الدولية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، حيث يعاني السكان من أوضاع كارثية تتسم بارتفاع مستويات الجوع وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال الذين يواجهون تحديات صحية خطيرة قد تهدد حياتهم. وقد أُبلغ عن حالات وفاة ناجمة عن نقص التغذية الحاد، وهو ما يعكس حجم الأزمة التي يعيشها القطاع في ظل القيود المفروضة على دخول المساعدات الغذائية. وعلى الرغم من توافر الاف الشاحنات المحملة بالإمدادات الغذائية على الحدود البرية لقطاع غزة مع مصر، وعلى معابر القطاع الأخرى منذ فترة طويلة، إلا أن إسرائيل لا تسمح بدخولها مما يزيد من تفاقم المعاناة الإنسانية ويضع حياة الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في خطر. ويواجه المواطنون المدنيون في قطاع غزة خطر المجاعة في ظل استمرار إغلاق المعابر، وندرة الغذاء على نحو خطير. وقد تفاقمت الازمة وانتشرت ظاهرة الجوع بين المدنيين وسوء التغذية خاصة على الاطفال وكبار السن بشكل حاد منذ أن شددت إسرائيا إجلااءاتها بمنع دخول جميع انواع المساعدات في 2 مارس/آذار 2025، ما أدى إلى تراجع واضح في المكاسب الإنسانية التي تحققت خلال وقف إطلاق النار في مطلع هذا العام. وفقاً لتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) ، يواجه 470 الف مواطن في قطاع غزة مستويات كارثية من الجوع (المرحلة الخامسة من التصنيف)، ويعاني كافة السكان من انعدام الأمن الغذائي[11].

يواجه السكان المدنيون خطر المجاعة الشاملة وسط تصاعد ملحوظ في معدلات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال. تشير التقارير إلى تدمير ممنهج للبنية التحتية والصحية في القطاع، مما أدى إلى تعطيل متعمد لإدخال المساعدات الإغاثية الضرورية. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تم تسجيل 57 حالة وفاة بين الأطفال بسبب سوء التغذية منذ بداية شهر مارس، مع توقعات بزيادة هذه الأعداد في ظل استمرار الأزمة. كما أفادت تقارير اليونيسيف بوجود آلاف الحالات من سوء التغذية بين الأطفال، مؤكدة أن أكثر من مليون طفل في غزة محرومون من المساعدات الأساسية المنقذة للحياة منذ أكثر من شهر. هذه الأرقام تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتدخل دولي عاجل لضمان وصول المساعدات الإنسانية وتخفيف المعاناة عن السكان المدنيين في القطاع[12].

تشير التقارير الدولية إلى أن 40% من منشآت توفير المياه تعمل بقدرات محدودة، الأمر الذي يفاقم التحديات الصحية والإنسانية في المناطق المتضررة. هذا الوضع يهدد حياة السكان المدنيين، خاصة الأطفال، الذين يُعتبرون الأكثر عرضة للمخاطر الناجمة عن نقص المياه النظيفة. العطش وانعدام النظافة يؤديان إلى انتشار الأمراض والأوبئة، مما يزيد من الضغط على الأنظمة الصحية المتعطلة أصلاً بفعل الاجراءات الاسرائيلية.

التحديات القانونية: آفاق الملاحقة القضائية وسبل الحماية

التحديات القانونية

استخدام التجويع كسلاح في النزاعات المسلحة يُعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهو جريمة واضحة لا يعتريها أي غموض. ما قامت به سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023 يمثل مثالًا جليًا على هذا الانتهاك، حيث فرضت حصارًا خانقًا شمل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية، إلى جانب تدمير متعمد للبنية التحتية الأساسية كشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتدمير الأراضي الزراعية، ومنع إدخال الوقود. هذه الإجراءات لا تقتصر على كونها انتهاكات إنسانية بل تدخل في إطار استخدام التجويع كسلاح حرب، وهو ما أكدته تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشكل صريح. ومع ذلك، فإن ملاحقة ومساءلة القادة الإسرائيليين عن هذه الجرائم تواجه تحديات متعددة تشمل العقبات القانونية والسياسية، بالإضافة إلى صعوبات عملية تتعلق بالآليات الدولية للمحاسبة[13]. ومن بين هذه التحديات:

هيمنة واشنطن: تواجه المحكمة الجنائية الدولية تحديات كبيرة تعكس ضغوطاً سياسية ودبلوماسية من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتخذ إجراءات متعددة لتعطيل عمل المحكمة وتقويض مصداقيتها. تشمل هذه الإجراءات فرض عقوبات مباشرة على المحكمة وقضاتها، مثل تجميد الأصول المالية وحظر السفر إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تهديد الممولين والمتعاونين في تحقيقات المحكمة ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. كما تمارس واشنطن ضغوطاً دبلوماسية مكثفة على الدول الحليفة لمنعها من التعاون مع المحكمة، سواء من خلال الامتناع عن تسليم المطلوبين أو وقف الدعم للتحقيقات الجارية. علاوة على ذلك، تُستخدم وسائل التحريض الإعلامي لتشويه سمعة المحكمة، واتهامها بالفساد وعدم الشرعية، وادعاء أنها تعمل وفق أجندة سياسية تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل. هذه التدابير لا تقتصر فقط على الجانب السياسي، بل تشمل أيضاً قطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية عن الدول التي تقدم دعماً للمحكمة، مما يعكس استراتيجية شاملة تهدف إلى تقويض دور المحكمة على المستوى الدولي وإضعاف قدرتها على تحقيق العدالة.

بالاضافة الى ذلك، تُعدّ ممارسات الولايات المتحدة في مجلس الأمن، خاصة تكرار استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرارات التي تسعى لإدانة إسرائيل، نهجاً ملتوياً يُعقّد جهود المجتمع الدولي في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين. ومن بين القضايا التي تأثرت بهذا الفيتو، إمكانية إحالة الجرائم المرتكبة إلى محكمة الجنايات الدولية أو إنشاء محاكم دولية خاصة، على غرار تلك التي تم تشكيلها للتحقيق في الجرائم في رواندا ويوغسلافيا ولبنان والعراق. هذا الموقف يُلقي بظلاله على مصداقية النظام الدولي ويطرح تساؤلات حول مدى التزام الدول الكبرى بمبادئ العدالة الدولية وحماية حقوق الإنسان.

الأدلة القانونية: إثبات الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية يتطلب تقديم أدلة واضحة ومقنعة تثبت النية الجرمية وراء هذه الأفعال، بما يتماشى مع المعايير القانونية الدولية المنصوص عليها في ميثاق روما الأساسي: تواجه جهود التحقيق تحديات كبيرة بسبب القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك منع الوصول إلى المواقع المستهدفة وعرقلة إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة. هذه الممارسات تعيق جمع الأدلة الضرورية وتضع العراقيل أمام تحقيق العدالة الدولية. وبالتالي، يتطلب الأمر تعاوناً دولياً أكبر لضمان إجراء تحقيقات محايدة وفعالة تكشف الحقيقة وتساهم في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وفقاً للقوانين الدولية.

رفض التعاون: تُعد قضية رفض إسرائيل التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية موضوعًا قانونيًا وسياسيًا حساسًا يعكس تعقيدات العلاقات الدولية والقانون الدولي. إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، الذي يُعد الوثيقة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فهي لا تعترف بالولاية القضائية للمحكمة على مواطنيها أو أراضيها. هذا الموقف أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الدولية، خاصةً في ظل التحقيقات التي تسعى المحكمة إلى فتحها بشأن انتهاكات محتملة للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية. بينما تواصل إسرائيل إتهام قضاة المحكمة الجناية بتُسيّس القضايا المعروضة أمامها، يؤكد قضاة المحكمة أن عدم تعاون إسرائيل يُعيق تحقيق العدالة الدولية ويُضعف جهود المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

المحاكم الصورية: يُعتبر النظام القضائي الإسرائيلي أداة تستخدم لإجراء تحقيقات شكلية تُظهره بمظهر القضاء المستقل والنزيه، في محاول لتعزيز صورته أمام المجتمع الدولي. هذه التحقيقات غالبًا ما تكون جزءًا من استراتيجية تهدف إلى تقويض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، التي تعتمد في عملها على مبدأ التكاملية. وبموجب هذا المبدأ، فإن المحكمة الجنائية الدولية تتدخل فقط في الحالات التي يكون فيها النظام القضائي الوطني غير قادر أو غير راغب في إجراء تحقيقات وملاحقات جدية بشأن الجرائم الدولية. وبالتالي، فإن مثل هذه الإجراءات الشكلية تُستخدم كوسيلة لتجنب المساءلة الدولية وتعزيز الحصانة القانونية للأفراد أو المؤسسات المتورطة في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

سيادة المصالح: تُعد قضية تسييس العدالة الدولية واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في سعيه لتحقيق العدالة والمساواة بين الدول. عندما تُغلّب المصالح السياسية على المبادئ القانونية، تصبح العدالة ضحية للضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها الدول ذات النفوذ على الدول الأقل قوة. هذا الواقع يظهر جليًا في تعامل بعض الدول الفقيرة مع المحاكم الدولية، حيث تجد نفسها مجبرة على مراعاة مصالحها الاقتصادية والسياسية على حساب التعاون مع الهيئات القضائية الدولية. إن هذه الديناميكية تُضعف مصداقية النظام الدولي وتُعرقل تحقيق العدالة، مما يتطلب جهودًا جماعية لتعزيز استقلالية المؤسسات القضائية الدولية وضمان عدم استغلالها كأداة لتحقيق أهداف سياسية.

مبدأ سيادة الدول: تواجه محاكمة القادة الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية العديد من التحديات القانونية والسياسية التي تعيق تحقيق العدالة الدولية. من أبرز هذه التحديات مبدأ سيادة الدول الذي يمنح الدول الحق في رفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، مما يحد من قدرة المحكمة على ممارسة اختصاصها بشكل فعّال. بالإضافة إلى ذلك، تلجأ بعض الدول إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى خارج إطار نظام المحكمة الجنائية الدولية، بهدف حماية مواطنيها من أي ملاحقات قانونية محتملة. كما أن مجلس الأمن الدولي يمتلك صلاحية تعطيل عمل المحكمة من خلال قرارات سياسية، مما يضيف بُعدًا آخر للتعقيدات المرتبطة بهذا الملف. ولا يمكن تجاهل ضعف آليات التنفيذ الدولية التي تجعل من الصعب تطبيق الأحكام الصادرة عن المحكمة بشكل عملي وفعّال، مما يعزز من شعور الإفلات من العقاب[14].

وعلى الرغم من هذه المعيقات والتحديات التي تفرضها هيمنة ونفوذ واشنطن على المؤسسات الدولية مواقف الدول، إلا أن هناك سنداً قانونياً ىلاف الادلة والاثباتات القانونية التي تؤكد تورط قادة الاحتلال الاسرائيلي في إستخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين الفلسطينيين منذ احداث 7 اكتوبر 2023. وإن تحقيق العدالة الدولية في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لاسرائيل يتطلب تضافر الجهود القانونية والسياسية على المستويين الدولي والمحلي. وفي السياق الفلسطيني، يُعتبر استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين في غزة انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، مما يقتضي محاسبة المسؤولين عنه وفقًا للمعايير القانونية الدولية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يعتمد بشكل كبير على وجود إرادة سياسية قوية من المجتمع الدولي، بالإضافة إلى توثيق دقيق ومنهجي للجرائم المرتكبة لضمان تقديم الأدلة اللازمة أمام المحاكم الدولية. كما أن الضغط الشعبي العالمي المستمر يلعب دورًا حاسمًا في دفع الجهات المعنية لاتخاذ خطوات ملموسة نحو إنهاء الإفلات من العقاب وضمان تحقيق العدالة.

آفاق المحاسبة والملاحقة القضائية الدولية

إن ملاحقة ومساءلة القادة الإسرائيليين تُعتبر من الناحية النظرية ممكنة، لكنها تواجه تحديات عملية معقدة تتداخل فيها الأبعاد السياسية والقانونية. ومع ذلك، فإن تحقيق العدالة ليس بالأمر المستحيل إذا تم تعزيز الجهود الرسمية والشعبية بشكل متكامل ومستمر للضغط على الجهات الدولية ومراكز صنع القرار. يتطلب هذا المسار تنسيقاً دقيقاً بين الإجراءات القانونية والدبلوماسية، إلى جانب حملات مجتمعية وشعبية على المستوى الدولي تهدف إلى تسليط الضوء على الانتهاكات وتوفير الحماية للسكان المدنيين الفلسطينيين. إن الجمع بين هذه الجهود يعزز فرص تحقيق نتائج ملموسة ويضع قضية العدالة في صدارة الاهتمام العالمي، مما يساهم في بناء إطار قانوني وأخلاقي يضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات وتعزيز حقوق الإنسان.

جريمة الجوع القسري واحدة من الجرائم الخطيرة التي تنتهك الحقوق الأساسية للإنسان، والتي لها سند واضح في الإطار القانوني الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة وميثاق روما الأساسي. تُصنّف هذه الجريمة ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، مما يجعلها محط اهتمام العدالة الدولية. وفي سياق الانتهاكات المستمرة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، تم تسجيل قضايا ضدها في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية. وقد شهد هذا المسار القانوني تطورات ملحوظة، أبرزها إصدار أوامر اعتقال بحق شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يواف غالانت. يتطلب هذا الأمر تعاوناً فعّالاً من الدول الأعضاء في المحكمة لتنفيذ هذه المذكرات، وهو التزام قانوني يقع على عاتقها وفقاً لأحكام ميثاق روما الأساسي الذي وقعت عليه بإرادتها الحرة[15].

إن الاستمرار في إجراءات التقاضي يُعد خطوة جوهرية في تعزيز المسار القانوني لحماية الحقوق الوطنية، كما أن تفعيل المسارات القضائية الأخرى على مستوى القضاء الاقليمي والوطني الفلسطيني يشكل ضرورة ملحة رغم التحديات التي يفرضها واقع السيطرة العسكرية الفعلية للاحتلال الإسرائيلي على أراضي دولة فلسطين. ومع أن هذا الواقع يُظهر صعوبات قد تصل إلى حد الاستحالة في بعض الأحيان، إلا أن الأمل يبقى معقوداً على الجهود المبذولة لتحقيق قيام دولة فلسطين على أرض الواقع، مما سيُسهم في تعزيز السيادة الوطنية وتمكين المؤسسات القانونية من أداء دورها بشكل كامل ومستقل..

تُعد مسألة تعزيز مبدأ الولاية القضائية العالمية خطوة مهمة في سياق تحقيق العدالة الدولية ومساءلة مرتكبي الجرائم الجسيمة، حيث يُمكّن هذا المبدأ المحاكم الوطنية في الدول الأطراف باتفاقيات جنيف من محاكمة الأفراد المتورطين في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني بغض النظر عن جنسياتهم أو مكان ارتكاب الجريمة. وقد اعتمدت العديد من الدول مثل إسبانيا وبلجيكا هذا النهج، مما يعكس التزامًا عالميًا بمكافحة الإفلات من العقاب. وفي ظل احتمالية حدوث تغييرات في موازين القوى الدولية ورفع الحصانة السياسية والدبلوماسية عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا إذا ما تغيرت مواقف القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن أن يُفتح المجال أمام مجلس الأمن لإصدار قرار بتشكيل محكمة خاصة لمحاسبة القادة الإسرائيليين على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. مثل هذه الخطوة، إذا ما تحققت، ستشكل نقلة نوعية في مسار العدالة الدولية، على غرار المحاكم التي أُنشئت للنظر في الجرائم التي وقعت في سيراليون ورواندا ويوغسلافيا السابقة.

تتطلب القضية الفلسطينية جهودًا مكثفة على المستويات الدولية والإقليمية لتعزيز الحماية والدعم للشعب الفلسطيني في مواجهة الانتهاكات المستمرة. من الضروري الضغط من أجل وجود مراقبين دوليين على الأرض وقوات حفظ سلام لضمان حماية المدنيين وتوثيق الجرائم. بالإضافة إلى ذلك، يجب توسيع دور المنظمات الدولية والإنسانية مثل الصليب الأحمر والأونروا والمنظمات الطبية والإغاثية لتقديم الدعم الفوري والعاجل لإغاثة المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، كما ينبغي إطلاق حملات إعلامية منظمة تسلط الضوء على الجرائم الإسرائيلية، وخاصة جريمة التجويع، بهدف توعية المجتمع الدولي. دعم حملات المقاطعة الاقتصادية والتجارية والعلمية والسياسية لدولة الاحتلال الإسرائيلي يمثل أداة فعالة للضغط عليها. علاوة على ذلك، فإن إستمرار سعي دولة فلسطين للانضمام إلى المزيد من الاتفاقيات والمؤسسات الدولية يعزز الحماية القانونية، واستخدام آليات الأمم المتحدة ووكالاتها الرسمية مثل مجلس حقوق الإنسان والمقرر الخاص لحقوق الإنسان للحالة الفلسطينية لتوفير الدعم والمساندة اللازمة[16].

الاستنتاجات

يشهد قطاع غزة وضعًا إنسانيًا متدهورًا نتيجة السياسات الممنهجة التي تعتمدها دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتم استخدام التجويع كأداة حرب بشكل متعمد، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية. وفقًا للتقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، فإن السكان المدنيين في القطاع يواجهون خطرًا متزايدًا من حدوث مجاعة شاملة، في ظل انقطاع الإمدادات الأساسية من الغذاء والماء والدواء. هذه الممارسات، التي تتم على نطاق واسع وبطريقة منهجية، تندرج تحت تصنيف جرائم الحرب، وقد تصل في بعض الحالات إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية. إن هذا الوضع الكارثي يتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى المدنيين المحاصرين، حفاظًا على حياتهم وكرامتهم الإنسانية التي تكفلها القوانين الدولية.

تعتبر جريمة الجوع القسري التي تمارسها حكومة الاحتلال الاسرائيلي، واحدة من أخطر الانتهاكات الإنسانية التي شهدها العالم في العصر الحديث. وعلى الرغم من التنديد الدولي الواسع والحملات الإعلامية والتظاهرات الشعبية في جميع أنحاء العالم، إلا أن العجز الدولي عن وقف ومنع هذه الجريمة هو المشهد السائد. على هذا النحو، تشهد أدوات إنفاذ القانون الدولي تعطيلاً متعمداً، بالنظر لتضارب المصالح السياسية بين الدول وخاصة الرعاية الخاصة التي تقدمها الولايات المتحدة لاسرائيل في سياق العلاقة الخاص التي تجمع الدولتين. عند هذه النقطة، فإن القوة والمصالح تسود على مذبح العدالة وسيادة القانون.

النتائج

ما يجري في قطاع غزة بفعل سياسات حكومة الاحتلال الاسرائيلي هو جوع قسري متعمد، يتحمل المجتمع الدولي مُمثلاً بالامم المتحدة ومنظماتها الحقوقية والانسانية كامل المسؤولية القانونية والاخلاقية عن تبعاتها، وأن العجز الكبير عن تفعيل ادواتها القانونية ومحاسبة إسرائيل لا يعفيها من واجباتها في توفير الامن والحماية واسباب الحياة تجاه المدنيين في أوقات الحروب والنزاعات.

تؤكد المواثيق الدولية الإنسانية أن استخدام التجويع كسلاح حرب جريمة دولية لا تسقط بالتقادم وتوجب محاسبة وملاحقة المتهمين سواء أفراد أو قادة.

الوضع الإنساني القائم في قطاع غزة يكشف بوضوح ان شبح المجاعة الشامل بدأ ينتشر ليطال جميع المدنيين في القطاع. بحسب تقارير منظمات دولية ومنها الأمم المتحدة، برنامج الأغذية العالمي (WFP)، أطباء بلا حدود وتقارير منظمات حقوق الإنسان [هيومن رايتس ووتش ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان] هناك نحو مليوني شخص يواجهون خطر المجاعة وتم رصد على الاقل عشرات حالات الوفاة بفعل الجوع، خاصة بين حديثي الولادة والأطفال.

ملاحقة ومساءلة القادة الإسرائيليين عن هذه الجريمة وغيرها من الجرائم الأخرى، يواجه وضعاً معقداً وتحديات سياسية وقانونية، أهمها الدعم والمساندة السياسية والدبلوماسية من الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، هناك عدة مسارات قانونية يمكن اللجوء اليها لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق المدنيين الفلسطينيين، من أهمها فرض وجود قوات حفظ سلام ومراقبين دوليين ودعم وتوسيع عمل المنظمات الإنسانية والاغاثية.

التوصيات

وجوب التحرك الدولي العاجل من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لإقرار خطوات واليات عملية لضمان حماية المدنيين في قطاع غزة وإيجاد آليات تحظى بثقة وطنية ودولية لإدخال المساعدات وضمان توزيعها. وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب والادانة.

الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي لفتح ممرات إنسانية بشكل دائم لضمان وصول الإمدادات الغذائية والعلاجية بعيداً عن مزاجية قادة الاحتلال.

إطلاق حملات إعلامية وقانونية وإنسانية دولية لتسليط الضوء على سياسة الجوع القسري لفضح ممارسات الاحتلال وخلق بيئة عالمية تدفع إسرائيل لوقف جريمتها فوراً.

متابعة إجراءات المساءلة في القضايا الدولية المنظورة امام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل، وبدء جمع الأدلة الثبوتية الخاصة بجريمة تجويع المدنيين الفلسطينيين والطلب من قضاة المحاكم الدولية الشروع بإجراءات فتح ملف تحقيق لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وعموم اراضي دولة فلسطين.

المصادر والمراجع

علي ابوحيلة (2025) الجوع كسلاح حرب : كيف يوظف الاحتلال الإسرائيلي التجويع للسيطرة والتهجير القسري مستردة من الموقع الالكتروني https://arabi21.com/story/1692146

سوزانا قسوس ( 2025) التجويع كسلاح حرب ماذا يعني ومتى استخدم في التاريخ مستردة من الموقع الالكتروني https://www.bbc.com/arabic/articles/c3enz4795qdo

بوابة الهدف الإخبارية (2025 ) العفو الدولية: "إسرائيل" تستخدم التجويع كسلاح حرب في غزة وتحوّل المساعدات إلى فخّ قاتل مستردة من الموقع الالكتروني https://hadfnews.ps/post/132776

الجزيرة الإخبارية(2025) التجويع جريمة حرب بـ"سلاح" الغذاء مستردة من الموقع الالكتروني

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2025/3/30

هيومن رايتس ووتشغزة: التجويع الذي تفرضه إسرائيل يقتل الأطفال (2024) مستردة من الموقع الالكتروني https://www.hrw.org/ar/news/2024/04/09/gaza-israels-imposed-starvation-deadly-children

مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة : بتسيلم، (2024) عار التجويع: إسرائيل مسئولة عن جريمة التجويع في قطاع غزة مستردة من الموقع الالكتروني https://www.btselem.org/arabic/publications/202404_manufacturing_famine

انجيلو ستيروني(2024) التجويع كأسلوب حرب من أساليب الحرب والقانون الدولي الانساني المطبق مستردة من الموقع الالكتروني https://www.cirsd.org/en/expert-analysis/starvation-as-a-method-of-warfare-and-applicable-ihl

سمية الغنوشي (2025) الحرب على غزة كيف تعيد إسرائيل استخدام أساليب التجويع النازية، مستردة من الموقع الالكترونيhttps://www.noonpost.com/316112

اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية

النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي – 1998

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948

قرارات مجلس الأمن الدولي( القرار رقم 2417 ) عام 2018

تقارير منظمات حقوقية دولية

برنامج الغذاء العالمي

هيومن رايتس ووتش

اللجنة الدولية للصليب الأحمر

منظمة العفو الدولية

تأثير الملاحقات وقرارات الاعتقال الدولي على قادة كيان الاحتلال. موقع الخنادق، 27/12/2024 الموقع الالكتروني https://alkhanadeq.com/post/8090

البروفيسور يوسي ميكلبيرج، محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وجهتا انذارا لاسرائيل لكنهما لا تسطيعان وقف الحرب،20/5/2024 الموقع الالكتروني https://www.chathamhouse.org/2024/05/icj-and-icc-put-israel-notice-cannot-stop-war

مجموعة من الخبراء القانونيين، ندوة للقانون من أجل فلسطين تتناول الإمكانات القانونية لتوفير قوات حفظ السلام وتدابير حماية المدنيين لمواجهة الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين، 6/3/2025 الموقع الالكتروني https://law4palestine.org/ar.

 

[1]سي ان ان بالعربية،9/9/2023 الموقع الالكتروني https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/10/09/israel-complete-siege-gaza-strip

[2]هيومن رايتس ووتش 15/5/2025 الموقع الالكتروني https://www.hrw.org/ar/news/2025/05/15/gaza-latest-israeli-plan-inches-closer-extermination

[3]الجزيرة الإخبارية 30/3/2025 الموقع الالكتروني https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2025/3/30

[4]البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف 1977

[5]اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949

[6]العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية1976 نص المادة 11

[7]المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948

[8]018) /2417RES/ ا2ألامـم المتحدة

[9] https://hadfnews.ps/post/132776/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%81%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%B9-%D9%83%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A7

[10]منظمة العفو الدولية 3/7/2025 الموقع الالكتروني https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2025/07/gaza-evidence-points-to-israels-continued-use-of-starvation-to-inflict-genocide-against-palestinians

[11]برنامج الغذاء العالمي 12/5/2025 الموقع الالكتروني https://ar.wfp.org/news/risk-famine-across-all-gaza-new-report-says

[12]منظمة الامم المتحدة للطفولة( اليونسيف) 5/4/2025 الموقع الالكتروني https://news.un.org/ar/story/2025/04/1140466

[13]الدكتور محمد أبو سريع ما تحديات ومعوقات تنفيذ قرار "المحكمة الجنائية الدولية" لاعتقال نتنياهو وجالانت؟، القاهرة الإخبارية،26/11/2024 الموقع الالكتروني https://alqaheranews.net/news/106030

[14]موقع الخنادق تأثير الملاحقات وقرارات الاعتقال الدولي على قادة كيان الاحتلال 27/12/2024 الموقع الالكتروني https://alkhanadeq.com/post/8090

[15]البروفيسور يوسي ميكلبيرج، محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وجهتا انذارا لاسرائيل لكنهما لا تسطيعان وقف الحرب،20/5/2024 الموقع الالكتروني https://www.chathamhouse.org/2024/05/icj-and-icc-put-israel-notice-cannot-stop-war

[16]مجموعة من الخبراء القانونيين، ندوة للقانون من أجل فلسطين تتناول الإمكانات القانونية لتوفير قوات حفظ السلام وتدابير حماية المدنيين لمواجهة الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين، 6/3/2025 الموقع الالكتروني https://law4palestine.org/ar

البوابة 24