شيرين خليفة
"المجاعة تفشّت، والهموم تراكمت في قلبي، ولا أجد ما أسدّ به رمق أبنائي السبعة"، تقول أم شمس حلس بحرقة، بينما تجلس تحت بقايا شجرةٍ برفقتهم في منتزه البلدية المدمر، وسط مدينة غزة.
أم شمس، اليوم، هي المعيلة الوحيدة لأطفالها، بعدما اضطر زوجها، قبل أسبوع ونصف، إلى الذهاب نحو مصائد الموت الأمريكية مدفوعًا بجوع أبنائه. هناك، وسط التدافع، سقط وأصيب بكسرٍ في العمود الفقري، وها هو الآن في المستشفى، يصارع التهاب كبد وبائي، وحصوات في الكلى، ويحتاج إلى تبديل وحدات دم. لم يبقَ من الأسرة من يتولى المسؤولية سواها.
أقسى ما يؤلم قلب السيدة الأربعينية، جوع صغارها، وبكاء ابنتها "فجر" (11 عامًا)، التي باتت قادرة على سماع صوت قرقعة بطنها من شدة الجوع.
تقول: "تناولنا الطعام يوم أمس بعد العصر حين حصل ابني على وعاء فيه عدس من تكية بعيدة عن مخيمنا، ومنذ ذلك الحين لم يدخل أفواهنا أي طعام".
وتضيف باكية: "في الصباح سقيت كل واحد منهم ماءً ممزوجًا بالملح، كي لا تتعفن معداتهم، وكي أحافظ على توازنهم في ظل غياب الطعام".
كانت أم شمس تعيش سابقًا في بيتها في حي الشجاعية، تعتمد على مساعدات وزارة التنمية الاجتماعية وبعض التبرعات، "لكن كانت أمورنا ماشية، مش زي الآن"، تستدرك بحسرة، بينما ينهكها فقر الدم وسوء التغذية، وتثقل خطاها هشاشة العظام.
لم تحصل على أي مكملات غذائية أو دعم صحي، فقط تناشد المؤسسات الإنسانية أن تلتفت إلى من يموتون جوعًا.
المأساة لا تتوقف عند أم شمس، فإلى جوارها، في ذات المخيم، تقيم نسرين العسولي (47 عامًا)، الأم لأربعة شبان، والتي نزحت مع عائلتها بدايةً من بيتها في جباليا، إلى الجنوب، ثم عادت شمالًا إلى منتزه بلدية غزة مع استئناف الحرب. كانوا جميعًا يعملون بأيديهم، يبيعون الدقيق، أو القهوة، أو ما يتيسر، فيكسبون ما يسدّ رمق يومهم، لكن مع انقطاع السلع واحتدام الحرب، توقف عملهم بالكامل.
"توقفنا عن البيع منذ أربعة أيام بسبب نفاد السلع، ولم نتذوق الطعام منذ ثلاثة أيام"، تروي بصوتٍ متعب، وتزيد: "كنا نعيش على قوت يومنا، أما الآن فلا طعام ولا عمل".
باتت العسولي تعتمد على الماء فقط، ولا تتلقى أي مساعدات! خارت قواها، وتدهور وضعها الصحي، حتى لم تعد تقوى على الوقوف.
تخبرنا: "لم نوقد نارًا منذ ثلاثة أيام، ولم يبقَ لدينا شيء نأكله (..) ما بدنا لحوم، بس يدخلوا إشي يسد الجوع".
وفي خلفية هذا المشهد القاتم، يوضح المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن ما يحدث من مجاعة هو نتيجة سلسلة من الممارسات الإسرائيلية، بدأت بإغلاق المعابر منذ بدء الحرب، ومنع دخول البضائع. "حتى أثناء الهدنة القصيرة التي استمرت أقل من شهرين، لم يتم إدخال ما يسدّ العجز" يقول.
ويشرح أن قطاع غزة يحتاج يوميًا إلى 800 شاحنة، لكن ما دخل فعليًا لم يتجاوز 5% من الاحتياجات، وبالتالي كان هناك شحّ حاد، أدى لاحقًا إلى اختفاء تام للبضائع، مردفًا: "وصلنا إلى مرحلة المجاعة الكاملة. دولة الاحتلال تعمدت إحداث تشوه اقتصادي عبر تعطيش السوق من سلع وإغراقه بأخرى خلال فترات معينة".
وبخصوص ارتفاع الأسعار الجنوني، فهو نتيجة طبيعية لحالة المجاعة، وفقًا لأبو قمر، الذي ألقى باللوم على الاتحاد الأوروبي، الذي صرّح أكثر من مرة بنيته إدخال مساعدات، مما خلق وهمًا لدى الناس، وأدى إلى حالة من الارتخاء، واستنزاف كل المتوفر.
الحل في نظره واضح: فتح المعابر فورًا، وإدخال كافة السلع والخدمات من خلال السوق الحر، لا عبر معايير سياسية، فـ95% من الأسر تعتمد بالكامل على المساعدات.
التجار، برأيه، هم الأدرى بما ينقص السوق، وهم القادرون على سدّ الجوع، إذا تُركت لهم حرية العمل.