عن "الجوع" الذي شوّه طفولة "يزن".. "هيكل عظمي"!

امرأة تحمل طفل استشهد جراء التجويع
امرأة تحمل طفل استشهد جراء التجويع

غزة - مرح الوادية

في قطاع غزة، أصبح الطعام أمنية بعيدة، والخبز حلمًا يراود الجائعين تحت الحصار الإسرائيلي الخانق، وكذلك الماء وحليب الأطفال الذين ينامون وهم يحلمون بالطعام. باتت الأمور الطبيعية استثناءً في هذه المدينة المنكوبة، حيث تظهر المجاعة جليّة على الوجوه والأجساد، ويزن أبو فول مثال.

هو طفل لم يتجاوز من العمر عامين ونصف، وُلد قبل اندلاع الحرب ببضعة أشهر فقط، بصحة جيدة ووزن قارب أربعة كيلوغرامات. كانت حياته في بدايتها تنبض بالطمأنينة في كنف أسرة مكوّنة من سبعة أفراد، لم يعرف فيها أحد الجوع يومًا. لكنها الطمأنينة التي سرقتها الحرب، تاركة طفولته تتآكل شيئًا فشيئًا وسط البرد والجوع، والخيمة التي حلت مكان البيت.

تقول زوجة عمه، رواء أبو فول، "يزن بات يعاني من سوء تغذية حاد، كما أكد الأطباء في غزة. لا يقوى على السير، يتكئ على الهزال الذي نخر جسده الصغير، وبشرته الشاحبة تصرخ باللون الأصفر، كما لو كانت تنبه العالم إلى خطر يداهمه".

تضيف بحزن: "والدته – وهي من ذوات الإعاقة مثل والده– تعاني أيضًا من سوء تغذية، ما فاقم وضع الطفل وجعله في مواجهة الموت، بلا سند حقيقي، ولا عناية كافية، ولا دواء".

"معاناة هذه الأسرة كارثية"، تعقب رواء بانفعال. "قُصف منزلهم، ولم يبق لهم من المأوى إلا خيمة ممزقة تقيهم بالكاد من حرارة الشمس! لا دخل مادي، ولا مساعدة ثابتة، لا يعرفون من أين يأتون بطعامهم، أو كيف سيقضون يومهم القادم".

تحوّل الطفل يزن إلى هيكل عظمي يسير بخطوات بطيئة، كأن الأرض ثقيلة تحت قدميه الصغيرتين. نهَشَ الجوع جسده، وسرق من ملامحه كل ما يُشبه الطفولة. أمه، المثقلة بوجعها، لم تعد تعرف لمن تذهب، أو ما الذي يمكن أن تفعله. يحتاج طفلها إلى الحليب، إلى الغذاء، إلى الحفاضات، إلى عناية طبية، لكن الأب المنهك لا يستطيع أن يوفر شيئًا. وحدها رواء، زوجة عمه، تسعى يوميًا للحصول على بضع وجبات من التكيات الخيرية، لعلها تسدّ رمقهم، أو تطفئ صراخ الجوع الذي يعصف بالبيت.

"المجاعة أمر لا يمكن وصفه"، تهمس رواء. "تبدو على هيئة صراخ يزن وإخوانه في منتصف الليل، على شكل عجزنا عن توفير رغيف خبز، على هيئتي أنا، حين لا أجد حبة عدس أضعها في القدر".

كل ما تتمناه هذه العائلة، أن يحصل يزن على وجبة مشبعة فقط. أن يحظى بيوم لا تحوم فيه الطائرات الحربية، ولا تسقط فيه القذائف، أن يفتح المستشفى أبوابه من جديد ويجد له سريرًا. أن يسمع صوت دواء لا صوت صافرة إنذار، أن تنتهي هذه الحرب، وتنجو طفولته من براثن الموت فيها.

في غزة، لا يُحصى الوقت بالساعات، بل بعدد الوجبات الفائتة. لم تعد الحياة تُقاس بالزمن، بل بمقدار ما خسرته الأجساد من وزن، وبكمية الهواء المتبقي في الرئة، قبل أن تهاجمها شظية، أو يُغلق في وجهها المعبر. هنا، لا يحتاج الموت إلى رصاصة، يكفي أن يتأخر طبق، أو تختفي يدٌ كانت تُطعم، لينهار الأطفال بالعشرات تحت كلمتين فقط: "ماتوا جياعًا".

شبكة نوى