كيف تُقنع طفلًا اشتاق لـ"اللحم" أن غداءه "ماءٌ وملح"؟

تجويع غزة
تجويع غزة

غزة/ شيرين خليفة:

"أريد طعامًا.. سئمت من الماء والملح، أشتاق للأرز واللحم"، كلماتٌ اختلطت بالدموع، قالها الطفل فجر حلس (12 عامًا) لأمه، متمردًا على واقع المجاعة التي عصفت ببيوت غزة كلها.

الجوع نخر جسده الغض حتى برزت عظامه، بينما كان يتوسل أمه التي لم تجد شيئًا تسكت به جوعه. ويزيد: "منذ أيام ونحن نعيش على الماء والملح، بطني تؤلمني ولم أعد قادرًا على الوقوف".

تحاول أمه مقاومة دموعها، وهي النازحة من حي الشجاعية، التي أصبحت المعيلة الوحيدة لسبعة أطفال بعد إصابة زوجها. تخبرنا بأسى: "لا أستطيع فعل شيء لهم، لم يتبق شيء في الأسواق، والمساعدات توقفت، المجاعة التهمتنا، بالكاد أستطيع الوقوف على قدمي".

المشهد ذاته يتكرر في كل زاوية من قطاع غزة، بينما العالم يشاهد بصمت المجاعة وهي تنهش بطون الفلسطينيين وأرواحهم. وزارة الصحة الفلسطينية، أعلنت مؤخرًا وفاة 69 طفلًا بسبب الجوع، في وقت يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي منع دخول المساعدات الإنسانية منذ الثاني من آذار/مارس 2025م.

ويصف أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية، الأوضاع في غزة بأنها الأخطر منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023م، موضحًا أن الكارثة بلغت ذروتها مع نفاد كامل للمواد الغذائية، واستمرار القصف، والنزوح القسري الواسع.

وأضاف: "94% من السكان هجّروا قسرًا من 88% من مساحة القطاع، وانحصر وجودهم في مساحة لا تتجاوز 50 كيلومترًا مربعًا".

وتابع: "900 ألف طفل يواجهون خطر سوء التغذية، بينهم 75 ألفًا يعانون من مراحل متقدمة، و37 ألفًا في حالة حرجة"، ملفتًا إلى وجود 55 ألف امرأة حامل يعشن المجاعة بتفاصيلها، منهن 11 ألفًا في خطر غذائي بالغ".

وأشار إلى أن الإعياء أصاب النساء خاصة، من بين 300 ألف مريض مزمن، حُرموا من العلاج في ظل فقدان الأدوية، إلى جانب 55 ألف مرضعة لم يعد بإمكانهن إرضاع أطفالهن.

وأكد الشوا أن مخازن المنظمات الدولية باتت خالية تمامًا من المواد الغذائية، ولم يتبق سوى بعض المساعدات الطبية القليلة، مشددًا على أن شبكة المنظمات الأهلية تدعو إلى إعلان غزة "منطقة مجاعة"، وما يترتب على ذلك من التزامات دولية تجاه دولة الاحتلال، بما في ذلك فتح المعابر فورًا وإدخال المساعدات المتكدسة.

وأوضح أن الشبكة، كونها جزءًا من النسيج الفلسطيني، تشارك ضمن الفريق القطري الإنساني الذي يضم الأمم المتحدة، "وتعمل يوميًا للضغط من أجل إدخال المساعدات وضمان وصولها إلى من ينتظرونها".

وفي ظل استمرار الاحتلال بالتنصل من التزاماته، بات كثير من الفلسطينيين يتهمون الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ، بعد وعوده المتكررة بإدخال المساعدات، دون تنفيذٍ يُذكر.

وفي مقابلةٍ خاصة، قال شادي عثمان، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بغزة: "إن ما يحدث في غزة صورة لا تُحتمل"، مؤكدًا أن المدنيين لا يمكن أن يكونوا أهدافًا أبدًا، وأن على المساعدات أن تتدفق بسرعة وأمان.

وأضاف: "عانى المدنيون في غزة طويلًا، وهذه المعاناة يجب أن تتوقف، نطالب إسرائيل بالوفاء بوعودها".

وكشف عثمان عن تواصل أوروبي مباشر مع وزير الخارجية الإسرائيلي، للتأكيد على ضرورة وقف الجيش الإسرائيلي لإطلاق النار على المدنيين عند نقاط توزيع المساعدات، مشددًا على أن "قتل المدنيين الذين يبحثون عن الطعام لا يمكن تبريره".

وأشار إلى أن الآلية المقترحة لإدخال المساعدات ما زالت كما هي، من خلال مؤسسات الأمم المتحدة، لكن التنفيذ بيد "إسرائيل" وحدها، "فالوعود موجودة، لكن إسرائيل هي من تتحكم بالمعابر، ولا يمكننا إعطاء إجابات قائمة على التوقعات" يقول.

وفيما تترنح غزة بين قصف وجوع، تتراكم المساعدات خلف المعابر المغلقة، ولا تزال آلاف العيون، مثل عيون فجر، تنتظر كسرة خبز، أو "لقمة أرز ولحم" قد تنقذ حياةً، أو تؤجل موتًا.

نوى