غزة/ إسلام الأسطل
تحت شمس آب اللّهاب، تمتد الخيام الممزقة في مواصي مدينة خانيونس، إلى الجنوب الغربي من قطاع غزة. تحاول تلك الأقمشة البالية سد رمق الظل لكنها بالكاد تحجب شيئًا من ألسنة اللهب الممتدة من شمس الظهيرة. الهواء حارّ، خانق، لا يهبّ إلا محمّلًا برائحة الغبار والعرق، وكأن الخيمة تحوّلت إلى صندوق مغلق يتضاعف فيه القيظ ساعة بعد ساعة.
قرب إحداها يجلس أدهم (عام ونصف) في حضن أمه بدون ملابس. تحاول تبريد جسده بقماشةٍ مبلولة بالماء وصينية تحركها فوقه لتجلب له بعض الهواء.
يلوّح أدهم بيديه الصغيرتين كأنه يحاول صدّ الحر. على ذراعيه وبطنه، انتشرت بقع حمراء كلسعات متتابعة. تقول أمه بصوت متعب: "منذ ثلاثة أيام وهذه الحبوب تزداد. الطبيب قال إنها حساسية من الحر، لكن أين المفر؟ لا ماء بارد ولا هواء، حتى المروحة صامتة منذ أن قطعت "إسرائيل" الكهرباء عن غزة، في السابع من أكتوبر" بالإشارة إلى تاريخ بدء الحرب.
في خيمةٍ مجاورة، يتكئ أبو خالد شملخ (78 عامًا) على عصاه. يقف وكأن الجلوس يزيد همه. عرقه يبلل جبينه رغم أنه بالكاد يتحرك. يشهق وهو يلتقط أنفاسه: "هذا الحر يسرق أنفاسي.. في بيتي كنت أفتح النافذة وأجلس قرب المروحة وأحيانًا أشعل التكييف. الآن لا نافذة ولا مروحة، فقط هذا القماش فوق رأسي، والحرارة تلفحني من كل اتجاه".
يرفع عينيه نحو سقف الخيمة المهترئ، كأنه يطلب رحمة من السماء ويقول: "يا رب نجنا من الكرب".
وفي خيمةٍ ثالثة، لكن هذه المرة في ميناء غزة، تغلق سمر على نفسها باب الخيمة جيدًا، ثم تستلقي على الفراش وتخلع غطاء رأسها. إنها تتصبب عرقًا. بدأت تبكي بحرقة، وقد أصابتها الحكة. هي حامل في شهرها الثامن، وفي انتظار مولودها الذي ذاق ويلات الحرب والحصار قبل أن يرى الدنيا حتى.. جاع، وسمع صوت نحيبها كثيرًا، وهي التي تسأل: "إلى متى؟".
تقول وهي تمسح رقبتها من سيول العرق المتساقطة من رأسها: "أشعر أن جلدي يحترق.. الحساسية تغطي يدي وظهري. لو كان لدينا ماء يكفي، لأخذت حمامًا باردًا 20 مرة في اليوم، لكن حتى الماء صار كنزًا ثمينًا".
في الخلفية، يلهو بعض الأطفال حفاة على الرمال الحارقة، بينما يحاول الكبار نصب أقمشة إضافية فوق الخيام لصد الشمس. الحرارة لا تفرّق بين صغير وكبير، والنهار يطول كأنه لن ينتهي.
بين أصوات المراوح الصامتة وأحلام الهواء البارد، يبقى النازحون في غزة يواجهون آب، شهر اللهيب، بصدور مكشوفة وأجساد تتصبب عرقًا، وأمل معلق بأن يهبّ نسيم يخفف عنهم وطأة الحياة في الخيام.