بقلم: المحامي علي ابوحبله
أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف كاتس أن "أبواب الجحيم تُفتح في غزة"، في تهديد مباشر يترجم عمليًا عبر استهداف الأبراج السكنية والمناطق المدنية، وتحويلها إلى أهداف عسكرية في نظر آلة الحرب الإسرائيلية. ومع بدء الجيش بتوجيه إنذارات بالإخلاء قبل القصف، يتضح أن الاستراتيجية المعلنة ليست سوى تطبيق عملي لسياسة الأرض المحروقة التي تهدف إلى سحق مقومات الصمود في القطاع المحاصر. العقاب الجماعي تحت غطاء "الشرعية العسكرية" ينص القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي الأول لعام 1977، على أن المدنيين والبنية التحتية المدنية محميون من الاستهداف المباشر، وأن كل عمل عسكري يجب أن يميز بين المدنيين والمقاتلين[1]. ورغم التحذيرات المسبقة من قبل الاحتلال، فإن استهداف الأبراج السكنية يمثل عقابًا جماعيًا ممنهجًا، ويُعد جريمة حرب وفق المعايير الدولية من الحرب العسكرية إلى الحرب السياسية ربط استمرار العدوان على غزة بشروط إسرائيلية سياسية – إطلاق سراح الأسرى، نزع سلاح المقاومة، فرض الاستسلام الكامل – يكشف أن الهدف ليس حماية أمن إسرائيل فحسب، بل إخضاع غزة بالقوة العسكرية وتحويلها إلى كيان منزوع الإرادة. هذا الإطار يجعل العمليات العسكرية تجاوزًا لـ"الحرب التقليدية" إلى إرهاب منظّم ضد شعب محاصر. الأرض المحروقة كأداة للضغط العقيدة العسكرية الإسرائيلية سبق أن استخدمت سياسة تدمير البنى التحتية المدنية في جنوب لبنان 1982، وغزة 2008 و2014، لكنها اليوم تأخذ بعدًا أوسع وأكثر شمولية. يستهدف القصف الحالي الأبراج، المستشفيات، المدارس، محطات المياه والكهرباء، ما يحوّل القطاع إلى مسرح إبادة بطيئة، إذ يُستخدم الحصار والقصف كأداتين لإفراغ الأرض من مقومات الحياة مقارنة بالسوابق الدولية 1. لبنان 2006: استهداف البنية التحتية خلال حرب لبنان 2006، استهدفت إسرائيل بشكل ممنهج المرافق المدنية مثل الجسور، الطرق، محطات الكهرباء والمياه، ما أدى إلى مقتل المئات من المدنيين وأزمة إنسانية خانقة. هذه الهجمات انتهاك صارخ للمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف "الأعيان المدنية" التي لا تُستخدم لأغراض عسكرية. 2. العراق 2003: استخدام الأسلحة العنقودية أثناء الغزو الأمريكي للعراق 2003، تم استخدام القنابل العنقودية في مناطق مأهولة بالسكان، ما أدى إلى مقتل مئات المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية. هذا النوع من الهجمات يُعد انتهاكًا للمادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول، التي تحظر الهجمات العشوائية التي تؤدي إلى إصابات غير متناسبة بين المدنيين. 3. صربيا 1999: القصف الجوي لحلف الناتو في حملة القصف الجوي لحلف الناتو ضد صربيا 1999، تم استهداف وسائل الإعلام المدنية والمرافق الحيوية، ما أسفر عن مقتل مدنيين وتدمير البنية التحتية. استهداف الأعيان المدنية غير العسكرية يشكل انتهاكًا واضحًا للمادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول. 4. غزة 2008 و2014: نمط مستمر من العقاب الجماعي الحملات الإسرائيلية على غزة 2008 و2014 أظهرت نمطًا متكررًا من استهداف الأبراج السكنية والمرافق الحيوية، ما أدى إلى دمار واسع وخسائر بشرية كبيرة. وهذا يعكس امتدادًا دوليًا لممارسة الأرض المحروقة التي تعتمد على الضغط على السكان المدنيين لإجبارهم على الاستسلام. التداعيات القانونية والسياسية 1. المستوى الدولي: الانتهاكات موثقة في تقارير الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وتفتح المجال أمام ملفات جدية في المحكمة الجنائية الدولية، خاصة أن الاستهداف المباشر للمدنيين والبنية التحتية المدنية قد يُصنَّف كجريمة إبادة جماعية أو جرائم حرب. 2. المستوى الإقليمي: سياسة الأرض المحروقة تضع الأنظمة العربية أمام اختبار صعب بين صمت مريب أو مواجهة الضغط الشعبي المتصاعد. 3. المستوى الفلسطيني: رغم الألم الهائل، فإن استهداف المدنيين يعزز السردية الفلسطينية ويُعمّق وحدة الموقف الشعبي خلف خيار الصمود، إذ يدرك الفلسطينيون أن ما يجري يتجاوز فكرة "الردع العسكري" إلى محاولة اقتلاع الحق الوطني من جذوره. الخلاصة ما يحدث في غزة اليوم ليس حربًا عسكرية تقليدية، بل مشروع تدميري شامل يهدف إلى فرض استسلام سياسي بالقوة. سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي تمثل تحديًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وللضمير العالمي، وتجعل من غزة شاهد العصر على أن الاحتلال حين يفشل في كسر إرادة الشعوب، يلجأ إلى محاولة محوها من الوجود.
الهوامش والمراجع [1] اتفاقيات جنيف 1949، البروتوكول الإضافي الأول 1977، المادة 51 و52 – حماية المدنيين والأعيان المدنية. [2] Rome Statute of the International Criminal Court, 1998, Articles 7–8 – تعريف جرائم الحرب والإبادة الجماعية. [3] ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2(4) – تحريم استخدام القوة لإرغام طرف على الاستسلام السياسي. [4] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA), Gaza Humanitarian Overview, 2023–2025. [5] Human Rights Watch, Fatal Strikes: Israel’s Indiscriminate Attacks Against Civilians in Lebanon, 2006. [6] Human Rights Watch, Conduct of War and Civilian Casualties in Iraq, 2003. [7] Casebook ICRC, Federal Republic of Yugoslavia: NATO Intervention, 1999. [8] Human Rights Watch, Gaza Conflict Reports 2008 & 2014. [9] UN Human Rights Council, Report on Gaza 2023, A/HRC/53/45.