كشفت أربعة مصادر مطلعة لصحيفة تايمز أوف إسرائيل أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير تفويضًا لحشد دعم الأطراف الدولية والإقليمية حول مبادرة تتعلق بإنشاء هيئة انتقالية تتولى إدارة قطاع غزة لفترة محددة، على أن يتم لاحقًا تسليم السلطة للسلطة الفلسطينية.
وتعود جذور الفكرة إلى الأشهر الأولى من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، حيث عمل بلير على صياغة ما وصف بـ خطة "اليوم التالي"، ومع تصاعد وتيرة الأحداث، تطورت المبادرة لتشمل تصورًا لإنهاء الحرب نفسها بعدما خلصت إدارة ترامب إلى أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى لن يتحقق إلا بوجود جسم بديل يتولى الحكم في غزة مكان حركة حماس.
تفاصيل المقترح
تتضمن الخطة إنشاء هيئة انتقالية دولية تحمل اسم "GITA" (السلطة الانتقالية الدولية لغزة)، تعمل تحت مظلة قرار من مجلس الأمن الدولي، وتضم بين سبعة وعشرة أعضاء، بينهم ممثل فلسطيني بارز من القطاع الأمني أو الاقتصادي، ومسؤول كبير من الأمم المتحدة، إلى جانب شخصيات دولية رفيعة وخبراء تنفيذيين وماليين، ويشترط أن يكون هناك تمثيل قوي للأعضاء المسلمين لضمان قبول إقليمي واسع.
وتمنح هذه الهيئة سلطة سياسية وقانونية عليا خلال الفترة الانتقالية، إذ سوف تصدر قرارات ملزمة، وتقر التشريعات والتعيينات، مع تقديم تقارير مباشرة لمجلس الأمن.
نفوذ بلير وتحركاته الميدانية
بلير لم يكتفي بالعمل المكتبي بل أجرى خلال الأشهر الماضية لقاءات في المنطقة شملت قادة عرب وفلسطينيين، كما التقى بالرئيس محمود عباس في يوليو، في خطوة دفعت إليها ضغوط خليجية لإشراك رام الله في المسار الجديد.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن السلطة الفلسطينية أبدت استعدادًا للمشاركة "البناءة"، لكنها طالبت بدور مباشر في إدارة غزة وهو ما لم يتضمنه المقترح بشكل كامل، ومع ذلك، تشير الخطة إلى ضرورة إصلاحات جوهرية داخل السلطة الفلسطينية لضمان قدرتها لاحقًا على تسلم القطاع.
مواقف متباينة
وجدت إدارة ترامب، وفقًا للمصادر، في مقترح بلير أرضية مناسبة للتحرك، وفضلت هذه الرؤية على أفكار أخرى طرحها مقربون من نتنياهو مثل رون ديرمر، أو مؤسسات كـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي دعت لتشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين.
وعلى الرغم من معارضة بعض الأصوات اليمينية في إسرائيل، إلا أن حكومة نتنياهو شاركت في مناقشات الخطة، لكن دبلوماسيين عرب أبدوا شكوكهم، معتبرين أن نتنياهو قد يفشل أي مبادرة لا تتماشى مع مصالح ائتلافه اليميني المتشدد.
دور كوشنر والمملكة العربية السعودية
يبرز اسم جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق بقوة في هذا المسار، حيث كان منظم اجتماع البيت الأبيض يوم 27 أغسطس، الذي ناقش تفاصيل الخطة، ولا يزال كوشنر يؤدي دورًا استشاريًا في قضايا الشرق الأوسط، ويساعد المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف في صياغة تصورات "اليوم التالي".
كما ينظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها ركيزة أساسية في تمويل مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، وهو ما دفع ترامب لوصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بـ"جوني" خلال نقاشاته، في إشارة لثقته بدوره المحوري في تمرير الخطة إقليميًا.
عقبات على الطريق
رغم الزخم الذي اكتسبه مقترح بلير، إلا أن عدة عوائق ظهرت، فقد تسببت الضربة الإسرائيلية على قادة حماس في الدوحة يوم 9 سبتمبر في إبطاء تحركاته مع قطر ومصر، إذ كان يسعى لإقناع الحركة بعدم عرقلة الخطة، ورغم استئناف التواصل لاحقًا، كشفت الحادثة هشاشة المسار وعمق الخلافات.
كما أثارت بعض مواقف الإدارة الأمريكية – مثل منع إصدار التأشيرات لمسؤولي السلطة الفلسطينية – حساسية إضافية لدى بعض الأطراف الخليجية التي ترددت في دعم بلير بشكل علني، خشية أن يُفهم ذلك كموافقة على قرارات واشنطن.
ملامح الحكم الانتقالي
ترسم الوثيقة تصورًا متكاملاً لإدارة غزة بعد الحرب، عبر مؤسسات عدة:
- قوة شرطة مدنية فلسطينية محايدة وغير حزبية، تراقبها "قوة استقرار دولية" متعددة الجنسيات.
- مجلس قضائي مستقل برئاسة قاضٍ عربي يتولى الإشراف على القضاء والنيابة.
- لجنة تكنوقراط فلسطينية لإدارة الوزارات الخدمية مثل الصحة والتعليم والمالية.
- وحدة لحفظ حقوق الملكية تضمن عدم ضياع حقوق سكان غزة الذين قد يرحلون طوعًا بشكل مؤقت.
- هيئة تشجيع الاستثمار والتنمية الاقتصادية لقيادة مشاريع إعمار القطاع بتمويل دولي وعربي.
منع عودة حماس وتعزيز نزع السلاح
تضع الخطة نصب عينيها منع عودة حماس أو أي جماعات مسلحة أخرى، عبر تطبيق سياسة "نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج" (DDR)، وتسند لإسرائيل مهام عمليات محددة الهدف لمنع تهريب السلاح أو إعادة تشكيل البنية العسكرية للفصائل.
تُقدر التكلفة المبدئية للمشروع بـ 90 مليون دولار للسنة الأولى، ترتفع إلى 135 مليونًا في الثانية، ثم 164 مليونًا في الثالثة، دون احتساب المساعدات الإنسانية أو تكاليف القوات الإسرائيلية، ووفقًا للمصادر، فإن مدة المرحلة الانتقالية قد تمتد لعدة سنوات، لكنها لن تتجاوز عقدًا كاملًا.
المسار السياسي
تشترط الدول العربية، وعلى رأسها الرياض، أن يقود المسار الجديد إلى حل سياسي نهائي يضمن إقامة دولة فلسطينية، وهو مطلب ظلّ مرفوضًا من قبل نتنياهو وشركائه، ورغم ذلك، يرى مراقبون أن الخطة تحمل بذور حل إقليمي أوسع إذا ما توافقت الأطراف الكبرى عليها.
الطريق إلى إنهاء الحرب
بحسب مصادر شاركت في المشاورات، فإن السبيل لوقف الحرب يكمن في إيجاد هيكل حكم جديد في غزة لا يتضمن حماس ولا يمكنها من العودة، مع مشاركة تدريجية للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، ووجود قوة دولية ضامنة للاستقرار.
ورغم أن خطة بلير ليست الوحيدة المطروحة، إلا أنها تبدو الأقرب للحصول على دعم أمريكي رسمي، وهو ما قد يجعلها المرجح الأساسي لمستقبل غزة في مرحلة ما بعد الحرب.