تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة غزة بوتيرة متسارعة، حيث أظهرت صور حديثة التقطتها الأقمار الصناعية حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة، خصوصًا في حي الشيخ رضوان الذي تعرض لمسح شبه كامل من الوجود.
وتؤكد المشاهد الميدانية أن الجيش الإسرائيلي اعتمد سياسة التدمير الشامل، عبر استهداف المباني السكنية بشكل واسع، إضافة إلى تفجير عربات مفخخة داخل الأحياء لإحداث أكبر قدر ممكن من الخراب، كما جرى في جباليا ورفح.
وبالتوازي مع ذلك، كثّف الطيران الإسرائيلي غاراته على أحياء عدة، أبرزها شارع الجلاء، الزرقاء، جباليا البلد، ومحيط الكرامة، شمال غزة، فيما وثقت مشاهد أخرى استهداف طائرات مسيّرة لشاحنة تقل نازحين نحو منطقة المواصي جنوبًا، وهي المنطقة التي يجبر الجيش السكان على التوجه إليها رغم افتقارها لأبسط مقومات الحياة.
النزوح الجماعي عبر شارع البحر
في ظل استمرار القصف، يتواصل مشهد النزوح المأساوي، حيث تدفق آلاف الفلسطينيين عبر شارع البحر – هارون الرشيد باتجاه الجنوب، بينما تعرضت رفح وخان يونس لسلسلة ضربات مركزة، خاصة في محور موراج العسكري الذي شهد استهداف مدنيين كانوا ينتظرون دخول مساعدات إنسانية عبر معبر كرم أبو سالم.
وتشير تقديرات حركة حماس إلى أن الجيش الإسرائيلي دمّر كليًا أو جزئيًا أكثر من 1800 مبنى سكني منذ 11 أغسطس، بالإضافة إلى 13 ألف خيمة كانت تؤوي آلاف العائلات النازحة.
تسوية بالأرض
اكد سكان غزة أن أحياء كاملة مثل الزيتون والتفاح والشجاعية والشيخ رضوان جرى تسويتها بالأرض، أما صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالة "رويترز"، فقد أظهرت بوضوح حجم الدمار في الشيخ رضوان خلال الفترة ما بين أغسطس وسبتمبر.
ووفق بيانات منظمة ACLED المعنية بتوثيق النزاعات المسلحة، فإن الجيش الإسرائيلي نفذ أكثر من 170 عملية هدم في غزة منذ أوائل أغسطس، معظمها عبر تفجيرات محكومة في الأحياء الشرقية إضافة إلى الزيتون والصبرة.
وتؤكد تقارير المنظمة أن وتيرة عمليات الهدم الحالية هي الأوسع نطاقًا مقارنة بفترات سابقة، حيث لم يتجاوز عدد عمليات الهدم المماثلة 160 عملية خلال أول 15 شهرًا من الحرب.
مخاوف دولية من تهجير قسري
أبدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان قلقها البالغ من احتمال تحوّل هذا النزوح إلى تهجير دائم، معتبرة أن ما يجري يرقى إلى تطهير عرقي متعمد.
جاء هذا التحذير الدولي بعد تصريحات سابقة لوزراء في الحكومة الإسرائيلية، فقد توعد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مايو الماضي بأن معظم قطاع غزة سيدمر قريبًا وسيتكدس سكانه في شريط ضيق قرب الحدود المصرية، بينما أعاد وزير الدفاع يسرائيل كاتس مؤخرًا تهديداته بمحو غزة وتحويلها إلى "شاهد قبر لحماس".
رواية إسرائيلية
في المقابل، نفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل نداف شوشاني وجود نية أو استراتيجية لتدمير غزة بالكامل، مشددًا على أن الهدف الرئيسي يتمثل في القضاء على حركة حماس واستعادة الرهائن، وأوضح أن حماس استخدمت المباني المرتفعة لأغراض عسكرية في مراقبة القوات ومهاجمتها، وزرعت ألغامًا داخل الأبنية، الأمر الذي دفع الجيش إلى استهدافها.
لكن حركة حماس من جهتها نفت بشكل قاطع استخدام الأبراج السكنية كقواعد عسكرية أو لشن هجمات على القوات الإسرائيلية.
غزة بين الركام
بحسب أحدث إحصائيات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فإن الحرب منذ اندلاعها في أكتوبر 2023 تسببت بتدمير أو تضرر نحو 80% من مباني القطاع، أي ما يقارب 247,195 مبنى، شملت 213 مستشفى و1029 مدرسة. وتعكس هذه الأرقام عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان، والدمار الذي حوّل غزة إلى مدينة أشباح.