محور عربي–إسلامي يربك الحسابات الإسرائيلية: الاعتراف بفلسطين مدخل للأمن والاستقرار الإقليمي
بقلم المحامي علي أبو حبلة
تشهد المنطقة تحولات عميقة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، بعد موجة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، وما تبعها من مواقف عربية وإسلامية متقدمة أبرزها من السعودية، مصر، الأردن، الجزائر، ودول إسلامية وازنة ضمن منظمة التعاون الإسلامي. هذه المواقف تعكس إدراكًا جماعيًا بأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي دون أفق سياسي يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والدولي. الإعلام العبري أبرز حجم القلق الإسرائيلي من هذه التطورات، فالقناة 12 نقلت عن مسؤولين أوروبيين تحذيرًا صريحًا: إذا كانت حكومة نتنياهو تسعى لضم الضفة الغربية فسوف تتحمل العواقب. أما مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة فاعتبر تحرك الجمعية العامة للاعتراف بفلسطين "مغامرة خطيرة" متوعدًا بخطوات مضادة. القناة 15 العبرية ذهبت أبعد، كاشفة عن ضوء أخضر أمريكي ضمني لفرض السيادة في الضفة الغربية، وهو ما يعكس ازدواجية السياسة الأمريكية بين خطاب معلن ضد الضم، ودعم عملي لحكومة نتنياهو. وفي موازاة ذلك، حذرت هآرتس من أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتصعيد محتمل في الضفة الغربية مع تنامي الاعترافات بفلسطين، وهو ما يعكس خشية المؤسسة الأمنية من أن تتحول المعركة الدبلوماسية إلى انفجار داخلي. لكن التطور الأبرز جاء من المواقف العربية والإسلامية: السعودية أعلنت بوضوح دعمها لموجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأكدت أن حل الدولتين وفق حدود 1967 وعاصمته القدس الشرقية هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، مع استعدادها – ومعها الدول العربية والإسلامية – لتقديم ضمانات أمنية لإسرائيل إذا أُنشئت الدولة الفلسطينية. الأردن ومصر، بحكم موقعهما واتفاقياتهما مع إسرائيل، يشكلان ركيزة أساسية في هذه المعادلة، إذ يشددان على أن الاستقرار الإقليمي لن يتحقق دون تسوية عادلة تضمن الحقوق الفلسطينية كاملة. الجزائر، بما تمثله من ثقل سياسي داخل الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، تدفع باتجاه مقاربة أكثر جذرية في دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومواجهة مشاريع الضم والتوسع الاستيطاني. منظمة التعاون الإسلامي، بدولها كافة، تبنت موقفًا جامعًا يعتبر أن أي تسوية إقليمية أو تطبيع مع إسرائيل مشروط بإنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية على أرض الواقع. هذا الاصطفاف العربي–الإسلامي الجديد يعيد صياغة معادلة الصراع: 1. ضغط سياسي ودبلوماسي منسق يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع الشرعية الدولية. 2. طرح ضمانات أمنية غير مسبوقة تربط أمن إسرائيل بقيام الدولة الفلسطينية، وهو ما يقلب معادلة "الأمن مقابل التطبيع" إلى "الدولة مقابل الأمن". 3. بعد تاريخي ورسالة أخلاقية، حيث ربطت السعودية بين وعد بلفور والاعتراف البريطاني بفلسطين، لتؤكد أن التاريخ يصحح نفسه وأن العدالة لا يمكن أن تبقى مؤجلة. إسرائيل اليوم أمام خيارين: إما القبول بالتحولات الدولية والإقليمية التي تفرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية كشرط للاستقرار، وإما مواجهة عزلة سياسية متنامية وصراع ممتد لعقود. إن الرسالة الواضحة التي تبعث بها هذه الموجة من الاعترافات والمواقف العربية–الإسلامية هي أن القدس والضفة وغزة ليست مجرد أوراق تفاوضية، بل هي أساس أي سلام عادل وشامل، وأن التطبيع أو الضمانات الأمنية لن تمر إلا عبر بوابة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.