كشف تقرير حديث للبنك الدولي، أن الاقتصاد الفلسطيني يمر بمرحلة حرجة، إذ يشهد تراجعاً سريعاً وسط تحديات غير مسبوقة تهدد استقراره وتؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، محذرًا من اقتراب حدوث انهيار مالي شامل، واصفاً الوضع بأنه ينذر بالخطر.
أزمة مالية خانقة وتهديد للنظام المصرفي
وشدد "التقرير"، أن النظام المصرفي الفلسطيني يواجه ضغوطاً متسارعة، حيث يوشك على فقدان قدرته على دعم التجارة وتأمين السلع الأساسية بسبب نضوب الشيكل الرقمي من حسابات البنوك المراسلة.
كما وجه البنك الدولي، تحذير من أن الجهود الدبلوماسية والفنية لم تؤدي إلى حلول مستدامة، مما يجعل الانهيار المالي احتمالاً قريباً، قد يدفع النشاط الاقتصادي نحو القنوات غير الرسمية.
غزة.. شلل اقتصادي ودمار شامل
وفي سياق متصل، وصف "التقرير"، الوضع في غزة بأنه "شبه دمار شامل"، بعد توقف النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص بشكل كبير.
- المالية والتحول الرقمي: ارتفع الاعتماد على المحافظ الإلكترونية إلى أكثر من 790 ألف محفظة نشطة، رغم التباطؤ الأخير في نموها بسبب شح السلع والتشديدات الرقابية.
- البنية التحتية: توقف شبه كامل لنظام الطاقة مع خسائر تتجاوز 1.46 مليار دولار، وتدمير 85% من شبكات الاتصالات.
- الزراعة والغذاء: الأراضي المزروعة لا تتجاوز 1.5%، مع اختفاء التنوع الغذائي واعتماد الأسر على أغذية منخفضة القيمة.
- الصحة والتعليم: نصف المستشفيات معطلة وجميع المدارس مدمرة أو متضررة، ما جعل 625 ألف طفل خارج العملية التعليمية.
انهيار الاتصالات في غزة
والجدير بالإشارة أن البنية التحتية للاتصالات تضررت بنسبة 85%، مما أدى إلى تراجع خدمات الإنترنت والهواتف، كما تعتمد الشركات على حلول بديلة مثل الخلايا على عجلات والمولدات باهظة التكاليف، بينما يشكل الوقود وقطع الغيار أزمة متواصلة، ورغم إدخال خدمات ستارلينك في إسرائيل، فإن وصولها إلى غزة ما زال مقيداً لأسباب أمنية.
الضفة الغربية تحت الضغوط
وفي السياق ذاته، كشف "التقرير"، أن شركات الضفة الغربية أبدت مرونة نسبية، لكنها تواجه صعوبات كبيرة:
- تراجع المبيعات رغم استمرار بعض العلاقات الدولية.
- قيود شديدة على الحصول على التمويل.
- اضطراب الزراعة، وارتفاع انعدام الأمن الغذائي.
- تفاقم الضغوط على الصحة والتعليم نتيجة الأزمات المالية والتوترات.
مؤشرات الانكماش الحاد
وأشار "التقرير"، إلى انحدار بنسبة 35% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الربع الأول من 2024، وهو أسوأ انكماش اقتصادي على الإطلاق.
- غزة سجلت انكماشاً بنسبة 86% مع توقف شبه كامل للنشاط.
- الضفة الغربية شهدت تراجعاً بنسبة 25% في قطاعات التجارة والخدمات والبناء.
- أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 250% نتيجة اضطرابات الإمداد.
بطالة وفقر قياسيان
كما بلغ معدل البطالة 50% في الأراضي الفلسطينية، وهو الأعلى تاريخياً، بينما وصل في الضفة الغربية إلى 35% نتيجة فقدان الوظائف في إسرائيل والمستوطنات.
أما غزة فقد شهدت توقف معظم مصادر الدخل، ولجأت الأسر إلى السوق السوداء حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 250%، كما ارتفعت معدلات الفقر لتصل إلى 40% بحلول 2025، مقارنة بـ29% عام 2023.
الزراعة على شفا الانهيار
وقد شهدت 63% من الأراضي الزراعية في غزة حالة من التلف، ما دفع نحو مليوني شخص إلى حافة المجاعة، ووفق التصنيف المرحلي المتكامل، يعيش 350 ألف شخص ظروفاً شبيهة بالمجاعة، بينما يواجه ثلث السكان حالة طوارئ غذائية خطيرة.
انهيار الصحة والتعليم
كما أوضح "التقرير"، أن النظام الصحي في غزة مهدد بالكامل، إذ لم يعد يعمل سوى 17 مستشفى بشكل جزئي من أصل 36، عدد الأسرة المتاحة لا يتجاوز 1500 مقابل 3500 قبل الحرب، مع إشغال يفوق 300%.
كما يعيش جميع أطفال غزة تقريباً خارج المدارس، بعد تدمير 95% من المنشآت التعليمية.
حلول مقترحة للخروج من الأزمة
اختتم البنك الدولي تقريره بتوصيات عدة:
- الاستقرار المالي: من خلال الرقابة الصارمة على النظام المصرفي.
- الدعم الدولي: لتأمين السيولة وتمويل المساعدات.
- الإصلاحات الهيكلية: في الإدارة المالية العامة ومكافحة الفساد.
- وقف الأعمال العدائية: كشرط أساسي للتعافي الاقتصادي والاجتماعي.
كما شدد "التقرير"، على أن استعادة الخدمات الأساسية، ووقف الإجراءات الأحادية بشأن عائدات المقاصة، وزيادة التمويل الدولي، تعد خطوات حاسمة لمنع الانهيار الكامل وتعزيز فرص إعادة الإعمار.