بقلم: المحامي علي أبو حبلة
– التغريدة العبرية الصادرة عن أحد الحسابات المرتبطة بالتيار الديني القومي في إسرائيل والتي تنكر وجود أمة فلسطينية وتؤكد أن ما تسميه إسرائيل "يهودا والسامرة" أرض إسرائيلية خالصة، ليست مجرد طرح أيديولوجي هامشي بل تعبير عن رؤية متجذرة في خطاب اليمين الأصولي الاستيطاني. هذا الخطاب الذي يتبناه مجلس المستوطنات ويجد له دعماً سياسياً في أوساط الائتلاف الحاكم يسعى إلى إحلال المرجعية التوراتية محل القانون الدولي بهدف شرعنة الاحتلال وإلغاء الوجود الفلسطيني من الوعي الجمعي. في مواجهة هذا الخطاب، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي أكد فيها رفضه لضم الضفة الغربية وتشديده على أن الضم لن يحدث مع إشارته إلى قرب التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب على غزة وتبادل الأسرى. تصريحات ترامب لم تأت من فراغ وإنما تعكس ضغوطاً عربية ودولية متزايدة على واشنطن، كما تكشف عن إدراك أميركي متأخر بأن أي خطوة إسرائيلية نحو الضم ستقود إلى انفجار إقليمي واسع وتضع الولايات المتحدة في مواجهة مع المجتمع الدولي الذي لا يزال متمسكاً بقرارات الشرعية الدولية التي تعتبر الضفة الغربية أرضاً محتلة منذ عام 1967. ردة الفعل الإسرائيلية على الموقف الأميركي كانت متشددة، حيث سارع مجلس المستوطنات إلى وصف تصريحات ترامب بأنها خضوع للابتزاز الدولي وأكد مواصلته سياسة التوسع الاستيطاني بمعزل عن أي اعتراض خارجي. كما صعّد وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب الصهيونية الدينية والليكود من خطابهم الرافض لأي تراجع عن مشروع الضم، معتبرين أن الضفة تمثل جوهر المشروع الصهيوني ولا يمكن التفريط بها. هذا الانقسام بين الموقف الأميركي والإسرائيلي يعكس معركة أعمق تتجاوز مسألة الضم إلى طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب وإلى قدرة نتنياهو على مواجهة الضغوط الأميركية من دون أن يخسر دعم قاعدته اليمينية المتطرفة. القانون الدولي واضح في هذه المسألة، فالضم يعد انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن، ولا يمكن لأي لغة توراتية أو خطاب إنكاري أن يغير من الوضع القانوني للضفة الغربية باعتبارها أرضاً محتلة. ما تقوم به إسرائيل على الأرض من توسع استيطاني وتهجير قسري وتغيير أسماء المواقع الجغرافية يمثل ضماً بحكم الأمر الواقع وهو ما يوازي في خطورته أي إعلان رسمي. هذه السياسات تأتي في سياق الحرب المفتوحة على غزة التي خلفت أكثر من خمسة وستين ألف شهيد ومئة وسبعة وستين ألف مصاب إلى جانب مئات الضحايا بسبب الحصار والتجويع، وهو ما يعكس مشروعاً متكاملاً لتصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء القوة والإنكار. في الولايات المتحدة نفسها تواجه إدارة ترامب ضغوطاً متزايدة من الرأي العام ومن تيارات سياسية وحقوقية تطالب بوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل. الاحتجاجات الطلابية والجامعية، والحملات التي تقودها منظمات حقوقية، تضع الإدارة الأميركية أمام اختبار صعب بين التمسك بالتحالف التقليدي مع إسرائيل وبين الحفاظ على صورة أميركا في العالم كدولة تدعي الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان. هذا التناقض يمنح الفلسطينيين والعرب فرصة لفتح ثغرة في جدار الانحياز الأميركي إذا ما أحسنوا استثمار التباين القائم بين واشنطن وتل أبيب. السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو ما إذا كان ترامب قادراً على ممارسة ضغوط فعلية على نتنياهو للقبول بخطة توقف الحرب وتمنع الضم وتعيد إطلاق مسار التسوية على قاعدة قرارات الشرعية الدولية. الإجابة تعتمد على توازن القوى داخل إسرائيل وعلى مدى استعداد واشنطن لاستخدام أدوات ضغط ملموسة مثل ربط المساعدات العسكرية بالتزامات سياسية، كما تعتمد على قدرة الفلسطينيين والعرب على استثمار هذا الموقف لتفعيل التحرك القانوني والدبلوماسي، وعلى مواقف القوى الدولية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين التي باتت أكثر وضوحاً في رفض سياسات الضم والاستيطان. الخلاصة أن القضية الفلسطينية اليوم أمام مفترق طرق. فإسرائيل تمارس ضماً تدريجياً عبر سياسات الأمر الواقع، واليمين الأصولي يضغط لتكريس هذه السياسات بلغة توراتية تنكر الوجود الفلسطيني، فيما يحاول ترامب أن يمنع الانفجار عبر رفض الضم والسعي لوقف الحرب على غزة. غير أن الموقف الأميركي سيبقى بلا قيمة ما لم يُترجم إلى خطوات عملية تجبر إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. معركة الوجود الفلسطيني ليست فقط على الأرض بل هي أيضاً معركة الرواية واللغة، وإذا لم يتمكن الفلسطينيون والعرب من تحويل الرفض الأميركي للضم إلى إنجاز سياسي ودبلوماسي فإن إسرائيل ستواصل فرض وقائع جديدة تضع مستقبل القضية الفلسطينية برمته على حافة التصفية.