دعوة الرئيس محمود عباس لحضور مراسم التوقيع على اتفاقية خطة ترمب ووقف إطلاق النار: الدلالات والأبعاد الاستراتيجية
بقلم: المحامي علي أبو حبلة – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
في ظل التحولات المتسارعة في الإقليم، وتبدل أولويات القوى الدولية، تبرز دعوة الرئيس محمود عباس لحضور مراسم التوقيع على اتفاقية "خطة ترمب ووقف إطلاق النار" كحدث سياسي له ما بعده، يحمل في طياته دلالات متعددة تتجاوز حدود البروتوكول السياسي إلى عمق التوجهات الاستراتيجية الهادفة لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني والإقليمي على أسس جديدة. أولًا: السياق العام والدلالات السياسية تأتي هذه الدعوة في لحظة مفصلية تشهد فيها المنطقة حالة إعادة تموضع سياسي في ضوء الحرب على غزة، وتراجع القدرة الإسرائيلية على فرض حسم عسكري، وتزايد الضغوط الدولية لإنهاء العمليات العسكرية وفتح أفق سياسي جديد. واشنطن، التي تقود جهود الوساطة بالتنسيق مع أطراف عربية وإقليمية، تسعى إلى إعادة طرح خطة ترمب ولكن بثوب جديد، مستندة إلى مقاربة “وقف الحرب مقابل إطلاق مسار تسوية شاملة”. إن دعوة الرئيس عباس في هذا التوقيت تحمل رسائل سياسية واضحة، مفادها أن الولايات المتحدة وحلفاءها يدركون أن تجاوز القيادة الشرعية الفلسطينية لم يعد ممكنًا، وأن أي تسوية أو اتفاق لا يمكن أن يكتب له النجاح دون مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ثانيًا: إعادة الاعتبار للشرعية الفلسطينية ووحدة التمثيل الحضور الفلسطيني الرسمي في مثل هذا الحدث لا يعني بالضرورة القبول الكامل ببنود الخطة، بقدر ما يعكس حرص القيادة الفلسطينية على حماية التمثيل الوطني ومنع تجاوزه في ظل محاولات بعض الأطراف فرض بدائل سياسية أو إدارية في غزة. إن مشاركة الرئيس عباس – إن تمت – يمكن أن تشكل فرصة لإعادة توحيد القرار الفلسطيني، والدفع باتجاه مرحلة جديدة تُعيد الاعتبار لمبدأ وحدة الجغرافيا ووحدة التمثيل الفلسطيني، باعتبارهما الركيزة الأساس لأي مشروع وطني جامع. وفي هذا السياق، يمكن للحضور أن يكون مدخلًا لتفعيل مسار المصالحة الوطنية على قاعدة مخرجات مؤتمر نيويورك 2025، الذي أكد ضرورة بناء قيادة وطنية موحدة، وتوحيد المؤسسات الفلسطينية في الضفة وغزة تحت مظلة الشرعية الوطنية، تمهيدًا لإطلاق مسار سياسي متوازن. ثالثًا: أبعاد الدعوة على مسار التسوية ترتبط هذه الدعوة بمحاولة أمريكية لإعادة ضبط الإيقاع السياسي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي عبر: 1. ربط وقف إطلاق النار بمسار سياسي شامل يقود إلى ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة في غزة. 2. تهيئة بيئة دولية داعمة لإعادة إعمار القطاع، وخلق مناخ يدفع الأطراف نحو التسوية. 3. محاصرة حكومة نتنياهو دوليًا وإجبارها على الالتزام بوقف الحرب من خلال إعطاء زخم دبلوماسي دولي يعيد تفعيل قرارات الشرعية الدولية كمرجعية أساسية للحل. إن حضور الرئيس عباس في هذا الإطار قد يمنح الاتفاق شرعية فلسطينية ودولية، ويفتح نافذة جديدة لإعادة إطلاق عملية السلام، شريطة أن يكون ذلك على قاعدة الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. رابعًا: هل الحضور يبشّر بمرحلة جديدة؟ إن أي حضور فلسطيني في هذه المراسم سيقاس بمدى قدرته على: إعادة بناء الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام بين غزة والضفة. الحفاظ على وحدة الأرض والشعب في مواجهة مشاريع الفصل والتدويل. تحويل وقف النار إلى محطة سياسية تؤسس لمرحلة انتقالية نحو تسوية عادلة وشاملة. فإذا ما استثمرت القيادة الفلسطينية هذه الفرصة ضمن رؤية وطنية موحدة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومخرجات مؤتمر نيويورك، فإنها قد تشكل منعطفًا حقيقيًا في مسار الصراع، وتعيد التوازن للمشهد الفلسطيني الداخلي والدولي على حد سواء. خاتمة إن دعوة الرئيس محمود عباس لحضور مراسم التوقيع على اتفاقية خطة ترمب ووقف إطلاق النار ليست حدثًا عابرًا، بل هي محطة سياسية فاصلة في معركة تثبيت الهوية الوطنية والتمسك بالشرعية الفلسطينية. الحضور الواعي والمدروس يمكن أن يشكل رافعة سياسية لاستعادة زمام المبادرة، وإعطاء زخم دولي لوقف الحرب، ومحاصرة نتنياهو دوليًا لإلزامه بإنهاء عدوانه، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي الفلسطيني الفاعل على قاعدة الشراكة الوطنية والموقف الموحد.