ما السر وراء إصرار واشنطن على إنجاح صفقة غزة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته المكونة من 20 نقطة في 29 سبتمبر 2025، مانحاً حركة "حماس" مهلة حتى الخامس من أكتوبر للقبول أو مواجهة ما وصفه بـ"الجحيم"، لتدخل الصفقة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر.

ويعد هذا الإنجاز حجر الزاوية في سياسة ترامب الخارجية خلال ولايته الثانية، ويعكس رهانه على إرثه السياسي المبكر، إذ إن فشل الصفقة لن يكون مجرد إخفاق دبلوماسي، بل ضربة لنهجه القائم على "فن الصفقات".

وقد كلفت الإدارة الأميركية كبار مسؤوليها بمتابعة الملف، حيث يتواجد نائب الرئيس جي دي فانس في إسرائيل، متحدثاً بتفاؤل حذر عن خطة السلام في الشرق الأوسط، رغم العنف الذي هدد وقف إطلاق النار الهش.

إعادة تشكيل النظام الإقليمي

كما تمثل الصفقة محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى في الشرق الأوسط، فمع الضغط من تركيا ومصر وقطر، تأثراً بالتصعيد الإسرائيلي في لبنان وإيران، تم دفع "حماس" إلى القبول بشروط الخطة.

وتراهن واشنطن على إضعاف أو إزالة حماس كقوة حاكمة، وتعزيز مكانة الشركاء العرب المعتدلين.

وتعتبر الصفقة السعودية جزءاً محورياً من الخطة، إذ تشمل تطبيعاً بين الرياض وتل أبيب وميثاق دفاع مع واشنطن، إلى جانب استثمار سعودي ضخم بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى أربع سنوات، ما يجعلها صفقة اقتصادية كبرى تتجاوز السياسة.

معضلة الرهائن.. نقطة الضغط الأخطر

والجدير بالإشارة أن ملف الرهائن يشكل أبرز تحديات الصفقة، إذ تتهم إسرائيل "حماس" بتأخير إعادة رفات الأسرى، بينما تؤكد الحركة أن العملية معقدة بسبب الدمار.

كل تأخير يزيد الضغط الشعبي داخل إسرائيل، حيث تظهر استطلاعات أن 70% من الإسرائيليين يفضلون استعادة الرهائن على استمرار الحرب، ما يجعل هذه الورقة محورية في مسار الصفقة.

قتل جنديان إسرائيليان في غزة يوم الأحد، ما دفع تل أبيب لشن غارات جوية هي الأولى منذ وقف إطلاق النار. ورغم ذلك، أعلن الجانبان التزامهما بالاتفاق.

ورغم هشاشة الوضع، تراهن واشنطن على أن الضغط الدولي المكثف قد يجعل هذه الهدنة مختلفة، رغم أن التاريخ يشير إلى أن إسرائيل "انتهكت علناً كل اتفاق سابق"، وفقاً لمايكل شيفر عمر-مان من منظمة DAWN.

التزام عسكري أميركي مباشر

كما أنشأت القيادة المركزية الأميركية مركز تنسيق مدني-عسكري في إسرائيل يضم 200 عنصراً من القوات الأميركية في مجالات النقل والأمن واللوجستيات والهندسة.

ويشير هذا الانخراط الميداني المباشر إلى استعداد واشنطن لوضع ثقلها العسكري والدبلوماسي لإنجاح الصفقة، مما يجعل الفشل أكثر إحراجاً لها أمام العالم.

المقامرة الكبرى.. شروط غير متكافئة

وفي سياق متصل، تحمل الصفقة تناقضات صعبة، أبرزها مطالبة "حماس" بنزع سلاحها والتخلي عن الحكم، وهو ما لم توافق عليه الحركة رسمياً.

وكانت "حماس" قد أعلنت، في 3 أكتوبر 2025، استعدادها لإطلاق سراح الرهائن وتسليم إدارة غزة إلى هيئة فلسطينية تكنوقراطية مستقلة، لكنها رفضت نزع السلاح.

كما تراهن واشنطن على فرض شروطها عبر الضغط العربي والحاجة الإنسانية في غزة، في مقامرة سياسية عالية المخاطر.

السيطرة عبر إعادة الإعمار

وفي ظل الدمار الواسع في غزة، من يمول إعادة الإعمار يملك مستقبل القطاع، فالإدارة الأميركية تسعى للهيمنة على عملية إعادة البناء التي ستمتد لسنوات وتكلف مليارات، إذ ستدار غزة مؤقتاً عبر لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، تشرف على الخدمات العامة بدعم من الخليج والغرب.

مأزق نتنياهو.. بين واشنطن واليمين الإسرائيلي

ويشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه مأزقاً سياسياً معقداً، إذ يعتمد على اليمين المتطرف والمتدينين للبقاء في السلطة.

وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش هددا بالاستقالة إذا مضت الصفقة قدماً.

رحيلهما يعني سقوط الحكومة واحتمال إجراء انتخابات مبكرة.

واشنطن تستغل هذا الضعف، مدركة أن نتنياهو بحاجة إلى ترامب أكثر من حلفائه اليمينيين.

نافذة ضيقة.. الآن أو أبداً

قبل أسابيع، رفض نتنياهو أي حديث عن تسوية، لكنه اليوم مضطر للتعامل مع ضغوط ترامب لإنهاء الحرب.

وقد أسفر الدمار الهائل عن استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني وفق منظمات دولية، خلقا واقعاً لا يمكن تجاهله.

كما يريد ترامب انتصارات مبكرة تعزز نفوذه في ولايته الثانية، والصفقة تمثل فرصته الذهبية.

تجنب حرب إقليمية شاملة

وعقب الضربات الإسرائيلية على لبنان وإيران وقطر، تخشى واشنطن من اتساع رقعة الحرب في المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أن إنجاح صفقة غزة سيعني استقراراً نسبياً يمهد لمشاريع استراتيجية مثل اتفاق التطبيع السعودي ومشروع الغاز القطري، وهما من أبرز رهانات ترامب الاقتصادية.

كما تضغط واشنطن لإنجاح صفقة غزة لأنها تمثل تقاطعاً نادراً بين مصالح سياسية واقتصادية وأمنية.

ويسعى ترامب لإرث تاريخي في السياسة الخارجية، بينما تواجه المنطقة خطر الانفجار الإقليمين، إلا أن الصفقة تبقى مقامرة محفوفة بالتناقضات، إذ تحاول الولايات المتحدة تحقيق سلام مستحيل التوازن بين السيادة الفلسطينية والهيمنة الإسرائيلية، على أمل أن تصنع هذه المرة ما فشلت فيه عقود من الوساطات السابقة.

سكاي نيوز