كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في تقرير نُشر اليوم الخميس، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يدرس بجدية إدخال تعديلات قانونية على “قانون لجنة تحقيقات الدولة”، بهدف تحييد أي إمكانية لتحميله مسؤولية مباشرة عن الإخفاقات التي رافقت هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر العام الماضي.
ووفقًا للتقرير، يسعى نتنياهو إلى إلغاء البند الذي يمنح اللجنة صلاحية إصدار توصيات شخصية بحق المسؤولين، أو تعديله بحيث تقتصر مهام اللجنة على تقديم توصيات مؤسسية وإصلاحات تنظيمية دون أن تشمل مساءلة الأفراد.
تسريع التحركات قبل مهلة المحكمة العليا
وأوضحت الصحيفة أن محكمة العدل العليا ألزمت الحكومة الإسرائيلية بتقديم تحديث رسمي حول تشكيل اللجنة بحلول منتصف نوفمبر المقبل، وهو ما دفع نتنياهو إلى تكثيف جهوده في الأيام الأخيرة.
وبحسب التقرير، عقد رئيس الوزراء عدة اجتماعات سرية ومغلقة مع مستشاريه القانونيين وعدد من قيادات حزب الليكود، للترويج لتشكيل لجنة تحقيق في هجوم 7 أكتوبر، لكن وفق صيغة تضمن له تحكّمًا سياسيًا أكبر بمسار التحقيق ونتائجه.
تعديل المواد القانونية لتقييد اللجنة
تتضمن خطة نتنياهو تعديلين أساسيين على القانون القائم:
- إلغاء المادة 19، التي تمنح اللجنة الحق في توجيه توصيات شخصية ضد مسؤولين محددين، بمن فيهم القادة العسكريون والسياسيون.
- تغيير آلية تعيين أعضاء اللجنة، بحيث لا يكون رئيس المحكمة العليا، القاضي يتسحاق عميت، هو الجهة الوحيدة المخولة بتعيين رئيس اللجنة وأعضائها، بل تمنح الحكومة حق المشاركة في اختيارهم، عبر آلية بديلة تضم ممثلين عن القضاة وربما عن المعارضة، لكن من دون منح رئيس المحكمة العليا حق النقض.
وبحسب “يديعوت”، يهدف هذا التعديل إلى منح الحكومة نفوذًا أكبر على اللجنة، وتقييد استقلاليتها في التحقيق في إخفاقات الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية.
ثلاثة مسارات مطروحة أمام نتنياهو
تضيف الصحيفة أن نتنياهو يدرس ثلاثة خيارات محتملة للمضي في إنشاء لجنة التحقيق:
- تعديل القانون الحالي بما يتماشى مع رؤيته.
- سن قانون خاص جديد عبر عضو الكنيست أرييل كيلنر من حزب الليكود، وهو المسار الذي تم تجميده مؤقتًا.
- تشكيل لجنة مراجعة حكومية تملك صلاحيات لجنة التحقيق، لكن تُنشأ بقرار من الحكومة مباشرة دون المرور عبر البرلمان أو القضاء.
وتشير مصادر سياسية إلى أن نتنياهو يفضل التمسك بالمسار الأول، أي تعديل القانون الحالي، لأنه يوفر غطاءً قانونيًا وشعبياً أوسع، ويسهل تمريره أمام محكمة العدل العليا، ومع ذلك، يدرك نتنياهو أن هذه الخطوة قد تثير معارضة قضائية شرسة واحتجاجات جماهيرية، خصوصًا من المعارضة التي ترى في هذا التعديل محاولة مكشوفة لتبييض المسؤولية عن الإخفاقات التي وقعت يوم الهجوم.
خطة للهروب من المساءلة
ترى صحيفة “يديعوت” أن نية نتنياهو إلغاء التوصيات الشخصية تكشف رغبته في تفادي لجنة قد تُحمله مسؤولية مباشرة عن الفشل الأمني والسياسي في السابع من أكتوبر، والذي مثل أكبر هجوم تتعرض له إسرائيل في تاريخها.
وتشير الصحيفة إلى أن التوصيات الشخصية غير ملزمة قانونيًا، لكنها تحمل وزنًا سياسيًا ومعنويًا كبيرًا، وتؤثر في الرأي العام، ما يجعل نتنياهو حريصًا على تجنّب أي تقرير رسمي يحمله المسؤولية أمام الناخبين.
دفاع قانوني عن إلغاء التوصيات الشخصية
المحامي الإسرائيلي دوري كلاغسبالد، وهو من أبرز المتخصصين في لجان التحقيق الحكومية، أيد التوجه نحو إلغاء التوصيات الشخصية، معتبرًا أن هذه البنود تشتت الانتباه عن جوهر التحقيق، وتحول النقاش إلى صراعات شخصية بدل التركيز على أوجه القصور المؤسسية التي تحتاج إلى إصلاح.
وأوضح كلاغسبالد أن مثل هذه التوصيات تطيل مدة عمل اللجان وتؤخر صدور تقاريرها النهائية، مما يعطل معالجة الخلل في مؤسسات الدولة، كما أنها تضعف الثقة العامة في حياد اللجنة، إذ تُفسّر أحيانًا بأنها أداة سياسية للانتقام.
رفض سياسي واسع لمحاولات نتنياهو
لكن المعارضة الإسرائيلية اعتبرت هذه الخطوات محاولة فاضحة للهروب من المحاسبة، وقال رئيس حزب أزرق أبيض، بيني غانتس، موجهًا خطابه لنتنياهو: "جهودك واضحة ولن تنجح، لن تقام لجنة شكلية تفصل على مقاسك، لجنة تحقيق رسمية فقط، ستقام بوجودك أو بعدك".
كما هاجم عضو الكنيست فلاديمير بيلياك من حزب "يش عتيد" هذه التحركات، مؤكدًا أن نتنياهو يحاول التملص من لجنة تحقيق حقيقية لأنه يعلم أنه وحكومته يتحملون المسؤولية عن الفشل الأكبر في تاريخ إسرائيل الأمني.
غضب شعبي ودعوات لتحقيق مستقل
أما مجلس أكتوبر، وهو تجمع يضم عائلات ضحايا الهجوم، فأصدر بيانًا شديد اللهجة قال فيه: "بعد الحرب في غزة، بدأ نتنياهو حربًا جديدة، هذه المرة على مستقبل إسرائيل نفسها، فبدلاً من تشكيل لجنة تحقيق رسمية تضمن عدم تكرار الكارثة، يختار التستر ومحاولة التحكم بنتائج التحقيق مسبقًا".
وأضاف البيان أن محاولة إلغاء المسؤولية الشخصية من القانون هي خطوة يائسة لطمس الحقيقة، مشيرًا إلى أن الحكومة تضيع وقتها في المناورات السياسية بدلاً من العمل على محاسبة المقصرين وإنقاذ ما تبقى من ثقة الجمهور بالدولة.
