حين تصبح الحديقة ملجأً.. لاجئون من البشر والحيوانات

غزة/ البوابة 24 -رائد كحيل

 

وسط الحرب المستمرة التي تعصف بقطاع غزة، تبرز قصة عائلة جمعة كواحدة من أكثر الشهادات الإنسانية إيلامًا وإلهامًا. محمود جمعة، مالك حديقة الحيوانات الوحيدة في مدينة رفح جنوب القطاع، وابنته داليا، يخوضان معركة يومية للحفاظ على حياة أكثر من مئة كائن حي تحت رعايتهما، في ظل القصف المتواصل، النزوح القسري، وانعدام أي دعم رسمي أو إنساني.

منذ اندلاع العدوان قبل عامين، تعرضت الحديقة لدمار متكرر، ما أجبر العائلة على النزوح عدة مرات: من رفح إلى خان يونس، ثم إلى دير البلح وسط القطاع. خلال هذه التنقلات القسرية، فقدت العائلة عددًا كبيرًا من الحيوانات، من بينها ثلاثة أسود، وكنغر، وحصان بوني، ونعام، وطيور نادرة. بعضها نفق تحت القصف، والبعض الآخر بسبب العجز عن نقله في الوقت المناسب.

1.JPG
 

تقول داليا جمعة، ابنة محمود: "كانت الحديقة مصدر دخلنا الوحيد. ومع توقف العمل، اضطررنا للنزوح حفاظًا على حياتنا وحياة الحيوانات. نقلناها في سيارتنا الخاصة تحت القصف، في ظروف شديدة الخطورة وبتكلفة باهظة، دون أي دعم خارجي."

وتضيف: "خلال النزوح الأول من رفح، اضطررنا لترك ثلاثة أسود وعدد من الحيوانات الأخرى، وقد ماتت جميعها. كانت خسائر موجعة ماديًا ونفسيًا."

4.JPG
 

2.JPG
 

اليوم، تعيش العائلة في خيمة داخل مزرعة، حيث تتقاسم المساحة مع الحيوانات التي نجت. تقول داليا: "أن تنام بجوار قفص فيه أسد، أمر يسبب لي الكوابيس. هذا ليس طبيعيًا، لكنه واقعنا."

تمكنت العائلة من إنقاذ عدد محدود من الحيوانات، من بينها قرود، نسانيس، ببغاوات، نسر، وسناجب. أما ما تبقى من الحديقة في رفح، فلا يزال مصيره مجهولًا. يقول محمود جمعة: "تركت جزءًا بسيطًا هناك، لم أستطع نقله بسبب القصف."

تعاني العائلة من نقص حاد في الغذاء، خاصة اللحوم اللازمة للحيوانات المفترسة. يقول محمود: "نحاول جاهدين توفير الطعام، لكن لا يوجد أي دعم. الديون تتراكم، وقدرتنا على الاستمرار تتآكل."

3.JPG
 

قصة عائلة جمعة ليست مجرد حكاية عن حديقة حيوانات، بل شهادة على صمود إنساني نادر. في وجه الانهيار، اختارت العائلة أن تحمي الأرواح التي ترعاها، رغم الخسائر الفادحة والظروف المستحيلة. ما يقومون به يتجاوز الرعاية؛ إنه فعل أخلاقي عميق، يعكس التزامًا نادرًا بالحياة في زمن الموت.

في ظل غياب أي دعم رسمي أو إنساني، تتحول هذه العائلة إلى خط الدفاع الأخير عن أكثر من مئة روح مهددة بالجوع أو الفناء. إنها قصة عن الشجاعة، والوفاء، والكرامة في أحلك الظروف.

6.JPG
 

البوابة 24