حط جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثه الخاص، في إسرائيل حاملاً ملفاً ثقيلاً يشبه صندوق ألغاز دفن تحت رمال رفح، والمهمة المعلنة هي متابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكن البند الأكثر حساسية يدور حول مستقبل مقاتلي كتائب القسام العالقين داخل أنفاق رفح.
وبحسب مسؤول أميركي بارز نقلت عنه القناة الإسرائيلية 12، تناقش واشنطن مع تل أبيب احتمال إخراج هؤلاء المقاتلين إلى دولة ثالثة، على نحو يشبه عملية “نفي مؤقت” يمتد لعدة سنوات، قبل أن يتمكنوا لاحقاً من العودة إلى القطاع بشروط محددة.
العقدة التي تهدد الهدنة
تنظر الإدارة الأميركية إلى بقاء مقاتلي القسام داخل الأنفاق باعتباره فجوة خطيرة تهدد اتفاق وقف إطلاق النار، وبحسب التقرير الإسرائيلي، تسببت هذه النقطة وحدها في تصعيدين كبيرين خلال الأسابيع الماضية، لذلك ترى واشنطن أن تفكيك هذه الأزمة بات ضرورياً لاستمرار التهدئة.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تحويل هذا الملف إلى تجربة أولية يمكن من خلالها اختبار إمكانية “نزع سلاح حماس” في جزء من غزة، قبل أن يتم توسيع الفكرة لاحقاً إذا نجحت.
النفي المؤقت
تعتمد الخطة الأميركية الأولى على ترحيل المقاتلين لفترة زمنية تحدد لاحقاً، مع منحهم عفواً مشروطاً من إسرائيل وضمان عدم عودتهم للعمل العسكري، لكن المشكلة الأساسية أن لا دولة وافقت حتى الآن على استقبال هؤلاء المقاتلين، رغم أن واشنطن وتركيا تضغطان لبلورة هذا المقترح.
وتتضمن الخطة أن يسلم المقاتلون أسلحتهم، ويحصلوا على “تعهد أمني” بعدم العودة لنشاطهم السابق، وبعد سنوات من الاحتجاز في الدولة الثالثة، يمكنهم العودة إلى غزة إذا التزموا بالشروط.
غولدين يدخل على الخط
شهدت الأيام الأخيرة حراكاً أميركياً وإقليمياً مكثفاً لإعادة رفات الضابط الإسرائيلي هدار غولدين، وقد أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن تركيا لعبت دوراً محورياً في إتمام العملية، معتبرة ذلك دليلاً على التزام حماس بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وترى واشنطن أن استعادة رفات غولدين تفتح نافذة سياسية يمكن من خلالها دفع إسرائيل نحو قبول مقترح المرور الآمن أو النفي المؤقت لمقاتلي القسام.
ولتأكيد الفكرة، لم يستبعد مسؤولون إسرائيليون أن تطلب الولايات المتحدة من تل أبيب السماح لنحو 150 إلى 200 مقاتل بالعودة إلى مناطق في غزة، عبر “ممر آمن” خارج نطاق سيطرة الجيش الإسرائيلي، باعتبار ذلك جزءاً من خطة ترامب للتهدئة.
المقترح الإسرائيلي المضاد
في المقابل، تواصل إسرائيل الالتزام بموقف متشدد، وبحسب هيئة البث الإسرائيلية "كان 11"، فإن المقترح البديل الذي تطرحه تل أبيب يقوم على أن تسلم عناصر القسام أنفسهم، ليتم اعتقالهم واستجوابهم داخل إسرائيل، وليس نقلهم إلى دولة أخرى.
وترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن أي حل آخر سيبدو وكأنه “مكافأة” تمنح لحماس، بينما يحاول الأميركيون إقناع نتنياهو بأن البديل، أي مواجهة مسلحة داخل المنطقة، قد يفجر الاتفاق كله.
واشنطن تضغط
تكثف الولايات المتحدة ضغوطها على الحكومة الإسرائيلية لبدء المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار، والتي تشمل إدخال فرق أجنبية إلى غزة، والبدء بخطوات إعادة إعمار أولية، خصوصاً في رفح.
لكن وجود مقاتلي القسام داخل النفق يعرقل هذه المرحلة، وفي هذا السياق، وصل كل من كوشنر وكبير مستشاري ترامب ستيف ويتكوف إلى إسرائيل لإجراء مشاورات وصفت بالحاسمة. ووفق تقرير "كان"، لن تحسم إسرائيل قرارها قبل انتهاء هذه الاجتماعات.
مدينة جديدة في رفح
كشف مصدر إسرائيلي أن الخطة التي تتم مناقشتها داخل الحكومة تشمل، بعد إخلاء المقاتلين، تدمير الأنفاق بالكامل ثم إنشاء “مدينة نموذجية” في رفح تكون منطقة خالية من حماس، مع وجود قوة دولية للإشراف على إدارتها، ويبدو هذا المشروع جزءاً من رؤية أوسع تعمل واشنطن على تمريرها، لكنه يظل مرهوناً بقدرة الأطراف على حل العقدة المركزية: مصير المقاتلين داخل الأنفاق.
مخاوف إسرائيلية
داخل إسرائيل، لا تزال القيادة السياسية منقسمة بشأن ربط إعادة رفات غولدين بملف مقاتلي القسام، كما تخشى حكومة نتنياهو من ردود فعل الأحزاب اليمينية المتشددة، في حال وافقت على منح مرور آمن أو عفو جزئي لمئات المقاتلين.
وترجح صحيفة “هآرتس” أن نتنياهو سوف يستغل استعادة الجثمان كجزء من “تهيئة الرأي العام” قبل اتخاذ خطوات صعبة في ملف رفح.
