أكد الدكتور أوستن بيرلماتر، طبيب الأعصاب وأخصائي صحة الدماغ المعروف، مؤخراً أن تمريناً بسيطاً قد يكون قادراً بالفعل على بناء خلايا دماغية جديدة.
ووفقًا لما ذكرته صحيفة Times of India، أوضح "بيرلماتر"، أن ممارسة الرياضة تعد من أقوى الوسائل لتكوين خلايا عصبية جديدة، غير أن المشي يظل الخيار الأكثر فعالية.
فوائد المشي
وأشار "بيرلماتر"، إلى أن المشي قادر على تحفيز عملية إنتاج الخلايا العصبية، وتحسين الذاكرة، وتأخير ظهور التدهور المعرفي.
وخلال مقطع فيديو نشره عبر منصة إنستغرام، قدم الدكتور بيرلماتر بيانات توضح كيف يمكن للمشي وغيره من أشكال الحركة أن يعيد تشكيل الدماغ نحو آفاق جديدة، كما يلي:
تنبيه الدماغ
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور بيرلماتر، أن هناك العديد من الأبحاث التي تؤكد أن المشي قادر على تحفيز نمو خلايا دماغية جديدة، وهي عملية يطلق عليها العلماء اسم "تكوين الخلايا العصبية".

كما تظهر الدراسات أن المناطق الدماغية المسؤولة عن الذاكرة، وخاصة الحُصين، تنمو حجماً مع النشاط البدني المنتظم.
وفي تجربة بارزة شملت بالغين مارسوا المشي لمدة عام كامل، ارتفع حجم الحصين لديهم بنحو 2%، في حين أن المشاركين الذين اعتمدوا على تمارين التمدد فقط شهدوا انكماشاً طفيفاً في هذه المنطقة.
وتكمن أهمية الحصين في كونه مركز تكوين الذكريات واسترجاعها، لذلك يعمل المشي على تعزيز قوته وقدرته على مقاومة آثار التقدم في العمر والأمراض مثل الزهايمر.
تحريك الجسم
وفي سياق متصل، لفت "بيرلماتر"، إلى أن مجرد تحريك الجسم يرسل سيلاً من الإشارات إلى الدماغ تنبهه للبقاء متيقظاً ومنتبهًا، وتعمل هذه الإشارات على إخبار الدماغ بأن صاحبه في حالة تفاعل نشط مع البيئة المحيطة، مما يحفز الخلايا العصبية على الحفاظ على ترابطها وسلامتها.

كما تسهم التمارين في تحسين تدفق الدم وزيادة نسبة الأكسجين المرسل إلى أنسجة الدماغ، ما ينعكس مباشرة على أدائه.
وتؤدي الحركة المستمرة أيضاً إلى إطلاق العضلات لمجموعة من جزيئات الإشارة المعروفة باسم "الميوكينات"، ومن بينها عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ BDNF، الذي يلعب دوراً محورياً في تحفيز نمو الخلايا العصبية ودعم بقاء الخلايا الموجودة وأدائها بكفاءة.
تنشيط القلب
والجدير بالإشارة أن المشي يعتبر من أفضل الوسائل الطبيعية لتنشيط القلب وتحفيز تدفق الدم، كما أنه لا يحتاج إلى معدات خاصة أو عضوية بنادي رياضي.
وبحسب بيرلماتر، فإن جلسات قصيرة من المشي المنتظم كفيلة بتعزيز الأنظمة الحيوية التي يعتمد عليها الدماغ، بدءاً من المناعة والتمثيل الغذائي ووصولاً إلى اللدونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على التكيف وإعادة تنظيم نفسه.

وأكد "بيرلماتر"، أن تخصيص عدة جلسات مشي أسبوعياً يُسهم في دعم الوظائف الدماغية التي تتحكم بالذاكرة والإدراك وتنظيم العاطفة.
تقليل خطر التدهور المعرفي
وبحسب الدراسات التي استعرضها الدكتور بيرلماتر، فإن المشي لا يعزز فقط تكوين خلايا دماغية جديدة، بل يبطئ أيضاً وتيرة التدهور المعرفي.
وقد ربطت هذه الأبحاث بين زيادة حجم الدماغ وارتفاع مستويات BDNF وبين انخفاض مخاطر التعرض لمرض الزهايمر والخرف.
كما يظهر من خلال النتائج أن الأشخاص الذين يعتادون المشي يتمتعون بذاكرة أفضل، وتركيز أعلى، وقدرة محسنة على حل المشكلات مع التقدم في العمر.
جودة مستقرة ونهج لا دوائي
تنعكس هذه الفوائد بدورها على قدرة الأفراد على الحفاظ على استقلاليتهم لفترات أطول وجودة حياة مستقرة.
ويساهم الالتزام بروتين يومي للمشي في الحد من الالتهابات والعمليات الضارة التي تؤدي إلى تلف الأنسجة، مما يجعله أسلوباً غير دوائي مهماً لحماية صحة الدماغ.
توصيات لطريقة المشي
كما يوصي "بيرلماتر"، بالالتزام بروتين ثابت يعتمد على المشي لمدة لا تقل عن ثلاثين دقيقة يومياً في معظم أيام الأسبوع، لافتًا إلى أنه ليس ضرورياً أن يتمتع الشخص بلياقة عالية، بل يكفي مجرد الحركة التي ترفع معدل ضربات القلب قليلاً وتعمق النفس (بحيث يمكن التحدث ولكن لا يمكن الغناء).
وفي حال واجه الشخص صعوبة في إكمال 30 دقيقة، يمكنه تقسيمها إلى فترتين مدة كل منهما 15 دقيقة.
والجدير بالذكر، يفضل المشي في الهواء الطلق للاستفادة من ضوء الشمس الذي يمنح الجسم فيتامين D، إضافة إلى منح العقل فرصة للاسترخاء، وينصح "بيرلماتر"، باختيار مسارات آمنة وارتداء أحذية مناسبة لتفادي الألم أو الإصابات، مؤكدًا أن السر الحقيقي يكمن في الاستمرارية، فهي المفتاح لضمان استفادة الدماغ من إشارات النمو يوماً بعد يوم.
