بقلم: محمد قاروط أبو رحمه
في مجالسنا ومنتدياتنا، يكثر الحديث عن الفضيلة: الصدق، الأمانة، الكرم، والشجاعة. نمدح هذه القيم ونشيد بأصحابها نظرياً، ونظن أن مجرد الثناء عليها يكفي لإثبات التزامنا بها. لكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها بصدق هي أن:
(مدح الفضيلة ثرثرة وممارستها مفخرة)
الفرق بين القول والفعل
الثرثرة هي الكلام الذي لا يتبعه فعل. هي الكلمات التي تتبخر في الهواء دون أن تترك أثراً ملموساً على السلوك أو الواقع. الفضيلة ليست كلمة تُقال، بل هي فعل يُمارس في أصعب اللحظات. أن تكون أميناً عندما لا يراقبك أحد، أن تكون شجاعاً عندما يكون الخوف هو الخيار الأسهل، أن تكون كريماً عندما تكون حاجتك للمال ماسة؛ هذه هي الممارسة التي تحول الفضيلة من مجرد مفهوم نظري إلى حقيقة معاشه.
هنا تتحول الفضيلة من ثرثرة إلى "مفخرة". المفخرة هي ما يبعث على الفخر والاعتزاز الحقيقي، وهي النتيجة الطبيعية للسلوك الأخلاقي الثابت.
المفخرة الحقيقية تُبنى بالدم والعرق
لكننا ننتقل هنا إلى مستوى أعمق وأكثر تطلباً. ليست كل "مفخرة" تستحق الثناء. هناك إنجازات سهلة، ونجاحات مبنية على الحظ أو الظروف المواتية. هذه قد تثير الإعجاب المؤقت، لكنها تفتقر إلى الجوهر الحقيقي للقيمة.
الحكمة التي يجب أن نتأملها بجدية هي: "وكل مفخرة لا تبنى بالدم والعرق مسخرة".
لأن القيمة الحقيقية للإنجاز أو الفضيلة لا تقاس إلا بحجم التضحية والجهد المبذول:
الدم: يرمز إلى التضحية القصوى، الاستعداد لدفع ثمن غالٍ، ربما التضحية بالراحة الشخصية، أو المخاطرة بالسمعة، أو حتى الحياة في بعض المواقف البطولية.
العرق: يرمز إلى العمل الشاق، المثابرة، الجهد المضني، والليالي الطويلة من العمل الدؤوب لتحقيق هدف نبيل أو التمسك بقيمة معينة.
المفخرة التي لا تتطلب جهداً أو تضحية هي "مسخرة"، لأنها جوفاء، سطحية، ولا تعكس عمق الالتزام الحقيقي. هي تشبه النجاح الذي يأتي بلا تعب، والذي غالباً ما يزول بزوال الظروف.
خاتمة: دعوة للالتزام العملي
رسالتنا واضحة: لا تضيع وقتك في مدح الفضيلة أو الثرثرة حول القيم التي تؤمن بها. اذهب ومارسها.
ابحث عن تلك الإنجازات التي تتطلب منك "الدم والعرق". في حياتك المهنية، الأكاديمية، والشخصية، التمس طريق التحدي والجهد المخلص. فالفخر الحقيقي لا يسكن في الكلمات السهلة، بل في صعوبة الفعل والتضحية.
نشر عنوان المقال منشور على صفحات الفيس بك شهر نيسان 2023
