سليم النفّار.. الشاعر الذي رحل وما زال ينشد للوطن

سليم النفار
سليم النفار

بقلم وليد العوض :

في السابع من ديسمبر، حلّت الذكرى الثانية لاستشهادك يا أبا مصطفى، وما زالت الكلمات تعجز عن احتواء الغياب الطويل، وما زالت تفاصيلك تعيش بيننا، تملأ الأمكنة بصوتك الهادئ، ووجهك الصبوح، وحديثك العذب الذي كان يطوي المسافة بين الألم والأمل. نفتقدك كل صباح ومساء، نبحث عنك بين ثنايا اليوم، في دخان سيجارتك المتوهجة، في ابتسامتك، وفي حضورك الذي لم يكن عاديًا، بل مليئًا بالحياة والعطاء.
حملت دفترك تنشد للوطن في فصول المدارس التي حطمتها قذائف الحرب، وغدت حطبًا يتدفأ عليه النازحون في خيامهم البالية. حملت الفكرة وشجعت المبادرة لتأسيس مؤسسة معين بسيسو، وكان لك شرف الإسهام بتجسيدها حلمًا على أرض الواقع من خلال وجودك في مجلس أمنائها ، قبل أن يلتهم العدوان مدينة غزة ببضعة شهور. كنت ترى الثقافة الوطنية أداة مقاومة، تزرعها في عقول الأجيال، وتؤمن بأن الرواية الفلسطينية لا تُحمى إلا بالكلمة الحرة.
سليم لم تكن شاعرًا فقط، بل كنت مشروعًا إنسانيًا كاملاً، سليل المخيم والبحر والمنفى. نشأت يتيمًا، فقدت والدك الشهيد مصطفى وهو ينقل السلاح دفاعًا عن مخيمات شعبنا. كبرت في بيروت الصمود، وواصلت رحلتك بين الكلمة والبندقية، وبين الفكرة والانتماء. كنت مهمومًا كأي أب، تخبئ قلقك بابتسامة، وتقاومه بالعطاء. تفكّر في مستقبل كريماتك ليلى ولمى وجومانة ، وفي شقيقك المريض سلامة، وفي أسرتك كلها، باحثًا عن مكان آمن وسط جحيم غزة التي لم تعرف الهدوء. وفي اتحاد الكتّاب، كما في المدارس التي جبتها شمالًا وجنوبًا، كنت تزرع بذور الوعي والانتماء، مؤمنًا أن حماية الرواية الفلسطينية مقاومة حقيقية. وقبل استشهادك، كنت تتهيأ بكل همة لتنظيم ندوة في ذكرى ميلاد معين بسيسو بعنوان: "معين القائد والشاعر الثائر"… ندوة لم تُعقد لأن العدوان كان أسرع من كل الأحلام.
سقطت العمارة عليك، وكلما مررنا بمحاذاتها نقرأك السلام لروحك والعشرات ممن لجأوا معك، ولا تزال أجسادكم الطاهرة تحت الركام، كما الآلاف الذين لم يُودَّعوا، ولم يُنتشلوا بعد. رحلت كما لا يليق بشاعر، أو رفيق، أو إنسان عاش للوطن والناس.
رحلت يا سليم، كما يليق بالشعراء: محمولًا على قصيدة لم تكتمل، وعلى سيجارة أخيرة خبأتها لوداع عسير. ومعك، رحلت العائلة كلّها، كأن الموت أراد أن يضمّ من أحببت دفعةً واحدة.  
نم هادئًا يا أبا مصطفى… فكل القصائد التي كتبتها ستُروى، وكل القلوب التي لمستها ستظل تحفظك، وكل من عرفك سيظل يردد: سليم لم يمت… بل سكن في ذاكرة الوطن.  
غزة – 8 ديسمبر 2025

البوابة 24