بقلم: الدكتورة شرين الناجي
في ظل الأزمات المتلاحقة التي تمر بها المجتمعات العربية، يبدو أن الهزيمة ليست مجرد نتيجة للأحداث السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى مستوى الوعي الجمعي للمجتمعات نفسها. فالمفارقة الكبرى التي يعيشها العديد من شعوبنا اليوم تكمن في أن الهزيمة تُكرّس حالة من الجمود الفكري والنفسي قبل أن تكون نتيجة واقعية ملموسة على الأرض، وهو ما يمكن تسميته بـ"هزيمة الوعي". أولاً: هزيمة الوعي هزيمة الوعي ليست مرتبطة بفشل فردي أو جماعي فحسب، بل هي نتاج تراكم عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية تستهدف تشويه قدرة الفرد والمجتمع على التحليل النقدي واتخاذ القرارات الاستراتيجية. من أبرز مظاهرها: 1. فقدان الثقة في الذات والمجتمع: حين يُغرس في العقل الجمعي الشعور بالعجز المستمر، يصبح التفكير النقدي والتخطيط المستقبلي ضربًا من المستحيل. 2. الاستسلام للأحكام الجاهزة: الانتقال من التفكير النقدي إلى قبول الروايات المبسطة أو المسقطة على الأحداث، ما يؤدي إلى تعزيز التبعية الفكرية والسياسية. 3. التراجع عن البحث العلمي والمعرفي: ضعف التعليم وحجب مصادر المعرفة الحقيقية يُسهمان في تكريس حالة "الجهل الممنهج"، وهو عامل أساسي في هزيمة الوعي. ثانياً: وعي الهزيمة على الرغم من هزيمة الوعي، لا يمكن تجاهل أن إدراك هذه الهزيمة في حد ذاته يمثل خطوة أولى نحو المقاومة الذهنية والإعادة البناءية. فوعي الهزيمة يعني: 1. الاعتراف بالمشكلة: الوعي بالهزيمة يسمح بتشخيص الأسباب والوقوف على الثغرات في التفكير والسلوكيات الجمعية. 2. تحديد الأولويات الاستراتيجية: معرفة حجم الأزمات وتبعاتها يمكّن المجتمع من رسم خارطة طريق واقعية للتغيير والإصلاح. 3. إعادة تشكيل الوعي الجماعي: إدراك الهزيمة كحالة مؤقتة وليست قدرًا محتومًا، ما يفتح المجال لتعزيز روح المبادرة والمقاومة الفكرية. ثالثاً: انعكاسات هزيمة الوعي هزيمة الوعي لا تؤثر على المستوى النفسي فقط، بل تمتد لتترك أثرها على: السياسة العامة: ضعف القدرة على التفكير الاستراتيجي يؤدي إلى تبعية القرار الوطني للضغوط الخارجية. الاقتصاد والمجتمع المدني: غياب الرؤية الواضحة يحد من القدرة على التخطيط الاقتصادي والاجتماعي المستدام. الثقافة والإعلام: انتشار السرديات المكررة والخالية من التحليل يعمّق الشعور باليأس ويدعم الاستسلام الذهني. رابعاً: خطوات مواجهة الهزيمة لمواجهة هذه الظاهرة، يتطلب الأمر استراتيجيات مضادة تهدف إلى إعادة بناء الوعي الجمعي وتعزيز قدراته التحليلية: 1. تعزيز التعليم النقدي والتفكير الاستراتيجي: تطوير مناهج تعليمية تركز على التفكير النقدي والبحث العلمي. 2. دعم الإعلام المستقل والموضوعي: خلق مساحات إعلامية تحفز التحليل الواقعي وتمنع الانجرار وراء الخطابات السطحية. 3. تشجيع الحوار الثقافي والفكري: فتح حوارات مجتمعية شاملة لمراجعة السياسات والأفكار، مما يعزز من الوعي الجماعي ويكسر دائرة اليأس. خاتمة هزيمة الوعي ليست قدرًا محتومًا، ووعي الهزيمة يمكن أن يكون نقطة البداية لتجاوز الأزمات وبناء مجتمعات أكثر مقاومة للفشل والضغوط. الطريق نحو إعادة الاعتبار للوعي الجمعي يبدأ بالتحليل الواقعي والصدق مع الذات، والقدرة على تحويل الهزيمة إلى فرصة للتعلم والتطور.
