وجهت تقارير تحذير من تصاعد نفوذ خمس جماعات مسلحة تنشط داخل المنطقة العسكرية المعروفة بـ"الخط الأصفر" في قطاع غزة، بعدما بدأت كعصابات انتهازية استغلت فوضى الحرب، قبل أن تتحول إلى قوى أكثر تنظيماً وتأثيراً.
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن إن"، فإن هذه الجماعات استقرت حالياً ضمن شبكة ميليشيات منظمة ومنسقة، تستعد علناً لوراثة السلطة ولعب دور قيادي في مرحلة "اليوم التالي" في حال غياب حركة حماس عن المشهد السياسي والأمني في القطاع.
صراع الميليشيات داخل غزة
ولفت "التقرير"، إلى أن حادثة اغتيال الشيخ محمد أبو مصطفى في خان يونس مطلع نوفمبر لم تكن مجرد واقعة جنائية، بل كشفت عن ملامح صراع جديد داخل قطاع غزة، حيث تنشط خمس فصائل مسلحة على الأقل في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية شرق "الخط الأصفر"، وتسعى إلى فرض نفسها كبديل محلي لحركة حماس في المرحلة المقبلة.
من عصابات إلى فصائل
كما اوضح "التقرير"، أن ما بدأ كعصابات متفرقة تستغل حالة الفوضى التي فرضتها الحرب، تطور إلى شبكة منسقة من الميليشيات المسلحة.
ويبرز في هذا السياق اسم حسام الأسطل، قائد ما يعرف بـ"قوة مكافحة الإرهاب"، كأحد أبرز الشخصيات التي تعمل بشكل علني لإسقاط حكم حماس، مؤكداً أن مجموعته "ليست ظاهرة عابرة، بل سيكون لها دور محوري في المرحلة المقبلة".
كما تتشارك هذه الجماعات، ومن بينها "الجيش الشعبي" و"قوات أبو شباب"، هدفاً واحداً يتمثل في ملء فراغ السلطة، مع اعتمادها على تجنيد المدنيين مقابل رواتب مغرية تصل إلى 1500 دولار.
رد حاسم من حماس
والجدير بالإشارة أن هذه الميليشيات تشن هجمات من نوع "الكر والفر" ضد حركة حماس في لحظة مفصلية تتعلق بتثبيت الحكم، الأمر الذي دفع الحركة إلى الرد بعنف، حيث نفذت إعدامات ميدانية بحق من وصفتهم بـ"المتعاونين".
كما أعلنت مطلع هذا الشهر مقتل ياسر أبو شباب، أحد أبرز منافسيها الداخليين، متهمة مجموعته بملاحقة عناصرها داخل الأنفاق.
رهانات اليوم التالي
وفي السياق ذاته، تتقاطع طموحات هذه الميليشيات مع تصورات دولية، إذ أشار جاريد كوشنر إلى إمكانية الشروع في إعادة إعمار مناطق خالية من حركة حماس، مثل رفح، بمشاركة هذه القوى في تأمينها. غير أن هذه الرؤية تصطدم بواقع "غزة المنقسمة".
ويصر قادة الميليشيات الذين تحدثوا إلى شبكة "سي إن إن" على أنهم جزء أساسي من مرحلة "اليوم التالي" في غزة، رغم الغموض الذي يكتنف فرص حصولهم على دعم شعبي كافٍ للحكم في حال انسحاب إسرائيل بالكامل.
ومن جهته، قال الأسطل، في حديثه عن خطط لتجديد أحد المستشفيات في المنطقة التي ينشط فيها: "سيكون دورنا محورياً، ولسنا ظاهرة ستختفي، سنكون حاضرين بالتأكيد في المرحلة التالية من الخطة".
دعم إسرائيلي مستمر
وذكر مصدران إسرائيليان مطلعان، أن إسرائيل تعتزم مواصلة دعم هذه الميليشيات، حتى بعد مقتل أبو شباب.
وأوضح أحد المصدرين أن ميليشياته كان من المفترض أن تشارك في تأمين موقع إعادة الإعمار المزمع إنشاؤه في رفح.
سكان بلا وجود
وبدوره، أكد محمد شهادة، الخبير في شؤون غزة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الميليشيات، إلى جانب عائلاتهم وعدد محدود من الفلسطينيين الذين خضعوا للفحص، سيسمح لهم بالعيش في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية باعتبارهم "سكاناً وهميين" في رفح التي يعاد بناؤها.
وتابع "شهادة"، أن شرق غزة هو المنطقة التي تجري فيها عمليات إعادة الإعمار، في حين ترك غرب غزة في حالة دمار، مع الفصل بين المنطقتين بواسطة "الخط الأصفر"، لافتًا إلى مفارقة تتمثل في أن شرق غزة شبه خالي من السكان، ولا يسمح فعلياً لأحد بالإقامة فيه، ما يجعل هذه العصابات تخدم "سكاناً غير موجودين".
خوف السكان
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان سكان غزة سيفكرون في الانتقال إلى المناطق المحتلة، خاصة أن القوات الإسرائيلية قتلت بالفعل عدداً من الفلسطينيين الذين اقتربوا من "الخط الأصفر".
ومن جانبه، قال مجدي، وهو أحد سكان مدينة غزة فضل ذكر اسمه الأول فقط لحماية هويته: "من الغريب كيف يسمح للبعض بالتحرك، فإذا اقتربت من الخط الأصفر فأنت ميت، من يذهبون يعتبرون جواسيس لإسرائيل، لا بد من وجود سلطة فلسطينية تأمرنا بالتحرك، ولن نتحرك إلا بعد انسحاب إسرائيل".
وفي ظل الجمود الدبلوماسي الذي يفصل بين المرحلتين الأولى والثانية من وقف إطلاق النار، تسعى هذه الميليشيات إلى ترسيخ وجودها باعتبارها جزءاً من مستقبل غزة، إلا أن غياب خطة واضحة للحكم يزيد من غموض المشهد، ويدفع هذه الجماعات إلى ملاحقة مصالحها الخاصة في قطاع أنهكته الحرب وما زال يبحث عن السلام.
وتخلص شبكة "سي إن إن" إلى أنه، رغم الدعم الإسرائيلي المستمر، تظل هذه الميليشيات تفتقر إلى الحاضنة الشعبية والقدرات اللازمة لإزاحة حركة حماس بشكل كامل، ما ينذر بانزلاق القطاع نحو صراع أهلي مفتوح و"صوملة" تزيد من تعقيد أي أفق لتسوية سياسية شاملة.
