بقلم: موسى نافذ الصفدي
حين يخرج خالد مشعل ليطالب الولايات المتحدة بالتعامل معه كما تعاملت مع السيد أحمد الشرع، فنحن لا نكون أمام رأي سياسي قابل للنقاش، بل أمام تشويه متعمّد للمفاهيم، ومحاولة فاضحة لإعادة صياغة القضية الفلسطينية على مقاس القبول الأمريكي. هذا الكلام لا يجوز التعامل معه كاجتهاد، لأنه يمسّ جوهر التمثيل الوطني الفلسطيني، ويضرب بعرض الحائط حقيقة سياسية لا لبس فيها: فلسطين ليست حركة، ومنظمة التحرير ليست خيارًا بين خيارات. السيد أحمد الشرع، سواء اتُّفق معه أم اختلف، يتحرك ضمن سياق دولة اسمها سوريا، دولة عضو في الأمم المتحدة، لها سيادة، وحدود، وكيان قانوني تتعامل معه القوى الدولية بمنطق المصالح والصراع على النفوذ. أما حركة حماس، التي يتحدث باسمها خالد مشعل، فهي تنظيم سياسي–عسكري خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولا تمتلك أي صفة قانونية أو وطنية تخوّلها طلب “الاعتراف” أو “القبول” باسم الشعب الفلسطيني. هنا يكمن الخلل، وهنا تقع الفضيحة السياسية: حين يضع خالد مشعل نفسه، أو حركته، في موقع مَن يفاوض واشنطن على الشرعية، فهو عمليًا ينازع منظمة التحرير حقها الحصري في التمثيل، ويحوّل القضية من مشروع تحرر وطني إلى ملف تفاوضي خاص بحركة. الأدهى من ذلك أن هذا الخطاب يقدّم القبول الأمريكي كجائزة، وكأن واشنطن لم تكن يومًا رأس الحربة في تصفية الحقوق الفلسطينية، وكأن التاريخ لا يشهد على دعمها المطلق للاحتلال، سياسيًا وعسكريًا وماليًا. فمن يطلب القبول من أمريكا، يطلبه بثمن، ومن يقدّم نفسه “قابلًا”، يقدّم تنازلات قبل أن يُطلب منه ذلك. منظمة التحرير الفلسطينية لم تطلب اعترافًا من أحد، بل فرضت نفسها على العالم باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. هذه الشرعية لم تأتِ من براغماتية الخطاب، بل من دم الشهداء، ومن وحدة القرار، ومن مشروع وطني جامع لم يُجزَّأ ولم يُساوَم عليه. أما كل محاولة للالتفاف على هذه الحقيقة، سواء جاءت باسم “الواقعية السياسية” أو “تبدّل موازين القوى”، فهي ليست إلا مشروعًا لتفكيك الشرعية الفلسطينية، وتكريس حالة الانقسام كأمر واقع، تمهيدًا لإنتاج قيادات بديلة تبحث عن اعتراف خارجي لا عن إجماع وطني. القضية الفلسطينية أكبر من خالد مشعل، وأعمق من حركة، وأشرف من أن تُقاس بمعايير الرضا الأمريكي. هي قضية شعب، لا تنظيم. وقضية وطن، لا منصة تفاوض. وفي لحظة كهذه، يصبح الدفاع عن منظمة التحرير الفلسطينية واجبًا وطنيًا لا يقبل الحياد، لأن البديل ليس “تعددًا سياسيًا”، بل ضياع البوصلة. فلا مقارنة بين دولة وحركة، ولا مساواة بين شرعية وطنية ومشروع فصائلي، ولا مقاومة تُقاس بمدى القبول في واشنطن.
