في خضم مرحلة بالغة الحساسية تمر بها القضية الفلسطينية، وفي ظل عدوان متواصل وسياسات احتلالية تستهدف الوجود الفلسطيني وحقوقه المشروعة، شدد الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على خطورة ما يتداول عبر بعض منصات التواصل الاجتماعي من حملات تشويه وتحريض، مؤكدًا أن مثل هذه الخطابات لا تخدم المصلحة الوطنية ولا تنسجم مع حجم التحديات المصيرية التي تواجه الشعب الفلسطيني.
واجب وطني وأخلاقي
وأوضح الرئيس أن احترام تضحيات الشهداء والأسرى والجرحى وعائلاتهم هو واجب وطني وأخلاقي راسخ، لا يجوز توظيفه في المزايدات السياسية أو استغلاله لإثارة الانقسام الداخلي أو النيل من المؤسسات الوطنية الشرعية، محذرًا من محاولات العبث بالوعي العام وتشويه الحقائق في لحظة تاريخية دقيقة.
وأكد عباس أن إصدار القرارات بقانون يأتي ضمن الصلاحيات الدستورية الحصرية لرئيس دولة فلسطين، ووفق ما يحدده القانون الأساسي الفلسطيني، وبما يراعي المصلحة الوطنية العليا، ويضمن استمرارية عمل مؤسسات الدولة، ويحمي النظام السياسي الفلسطيني في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
برنامج إصلاحي شامل
وفي السياق ذاته، جدد الرئيس التزام القيادة الفلسطينية بالمضي قدمًا في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل، يهدف إلى تحديث وتطوير المنظومة القانونية والمؤسسية، وترسيخ سيادة القانون، وتعزيز مبادئ الحكم الرشيد، والشفافية، والمساءلة، والفصل بين السلطات، بما يعزز ثقة المواطن بمؤسسات دولته.
وأشار إلى أن هذا البرنامج الإصلاحي يتضمن مراجعة شاملة للقوانين المنظمة للحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها قوانين الحوكمة المالية، والإدارة العامة، والقضاء، ومكافحة الفساد، إضافة إلى دعم استقلالية الأجهزة الرقابية لضمان كفاءة الأداء وعدالة التطبيق.
تحديث القوانين
كما أكد الرئيس أن مسار الإصلاح يشمل استكمال الجوانب الدستورية والسياسية، والعمل على إعداد الأطر القانونية اللازمة للانتقال المنظم من مرحلة السلطة الوطنية إلى مرحلة الدولة، إلى جانب تحديث قوانين الانتخابات، وإصدار قانون عصري للأحزاب السياسية قائم على أسس ديمقراطية واضحة، تحترم برنامج منظمة التحرير الفلسطينية والشرعية الدولية، وتلتزم بمبدأ حل الدولتين، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد.
رؤية إصلاحية
وعلى الصعيد الاجتماعي، أوضح عباس أن القرار بقانون رقم (4) لسنة 2025 يأتي ضمن رؤية إصلاحية متكاملة، تهدف إلى توحيد وتنظيم منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية، وضمان العدالة والشفافية والاستدامة في تقديم المخصصات، وفق معايير مهنية واضحة، تحفظ كرامة المستفيدين وتصون حقوقهم.
وفي هذا الإطار، شدد الرئيس على أن المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي "تمكين" هي مؤسسة تنفيذية رسمية تعمل ضمن السياسات والقرارات الصادرة وفق القانون، ولا تمتلك أي صلاحيات تشريعية أو سياسية، مؤكدًا أن تحميلها مسؤوليات خارج إطار دورها القانوني يمثل خلطًا متعمدًا للأوراق، وإضرارًا غير مبرر بمؤسسة وطنية تؤدي دورها ضمن منظومة الإصلاح والحماية الاجتماعية.
تطوير قطاع التعليم
وتطرق الرئيس كذلك إلى ملف التعليم، مؤكدًا أن تطوير هذا القطاع يشكل أولوية وطنية، من خلال مراجعة وتحديث المناهج التعليمية بما يتوافق مع المعايير الدولية، وينسجم مع الهوية الوطنية الفلسطينية، ويعزز قيم التسامح واحترام القانون ونبذ العنف، دون التفريط بالحقوق الوطنية الثابتة أو الرواية التاريخية الفلسطينية.
وفي ختام بيانه، شدد الرئيس محمود عباس على أن الحفاظ على الوحدة الوطنية، وصون السلم الأهلي والمجتمعي، وحماية المؤسسات الشرعية، تمثل ركائز أساسية في مواجهة الاحتلال ومخططاته العدوانية، داعيًا أبناء الشعب الفلسطيني إلى التحلي بالمسؤولية الوطنية، واعتماد خطاب عقلاني جامع، والاحتكام إلى الأطر الدستورية والقانونية، وتغليب المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبارات أخرى.
وأكد أن الشعب الفلسطيني، بوحدته ومؤسساته ووفائه الحقيقي لتضحياته، سوف يواصل نضاله المشروع حتى نيل الحرية والاستقلال، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
