أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الدكتور باسم نعيم، أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تعطيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق باعتبار أن هذه المرحلة تفرض عليه التزامات جوهرية في مقدمتها الانسحاب الكامل من قطاع غزة، وفتح المعابر، والشروع في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.
وأوضح أن الاحتلال، بدل الالتزام، يواصل خرق بنود المرحلة الأولى، ويمارس سياسة المماطلة والتهرب من أي استحقاقات تمهيدية، بهدف إفشال الوصول إلى المرحلة التالية.
التزام فلسطيني وخروقات إسرائيلية
وأشار نعيم إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية التزمت بتنفيذ جميع ما طُلب منها ضمن المرحلة الأولى، رغم ما وصفه بالخروقات الإسرائيلية الخطيرة والمتكررة، وأضاف أن هذا الالتزام الفلسطيني يقابله تصعيد ميداني إسرائيلي يفرغ الاتفاق من مضمونه، ويكشف غياب النية الحقيقية لدى حكومة الاحتلال للانتقال إلى مسار سياسي مستقر.
مفاوضات ميامي
وفي حديثه لصحيفة "فلسطين" المحلية، أوضح نعيم أن المفاوضات التي جرت في مدينة ميامي بين الوسطاء والطرف الأميركي حملت، بحسب التغذية الراجعة، طابعًا إيجابيًا وبنّاءً، خاصة فيما يتعلق بمناقشة المرحلة الأولى وخروقات الاحتلال.
لكنه شدد على أن الانتقال الفعلي إلى المرحلة الثانية يبقى مرهونًا بموقف الضامن الأميركي، ومدى استعداده لممارسة ضغط حقيقي على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة للالتزام بالاتفاق.
قوة الاستقرار الدولية
وأكد نعيم أن اتفاق وقف الحرب، الذي رعته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نص بوضوح على استقدام قوة استقرار دولية، وهو ما يتبناه أيضًا مجلس الأمن الدولي، غير أنه أشار إلى أنه رغم التزام الطرف الفلسطيني الكامل بتنفيذ المرحلة الأولى، فإن الاحتلال واصل خروقاته دون أي رادع، ما أفرغ هذا البند من مضمونه.
ولفت نعيم إلى أن معدل الخروقات الإسرائيلية اليومية يتراوح بين 10 و12 خرقًا، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 410 فلسطينيين، وإصابة نحو ألف آخرين، إضافة إلى عمليات هدم واسعة للمباني، وتدمير ممنهج للبنية التحتية، واستمرار منع إدخال المساعدات وعرقلة جهود إعادة التأهيل، كما أشار إلى استمرار إغلاق معبر رفح، رغم أن الاتفاق ينص صراحة على فتحه بعد تسليم الأسرى الأحياء.
غياب أي مؤشرات لتشكيل قوة الاستقرار
وأوضح نعيم أنه حتى اللحظة لا توجد مؤشرات جدية على قرب تشكيل قوة الاستقرار الدولية، رغم وجود حراكات إقليمية ودولية تشرف عليها الولايات المتحدة، وأرجع ذلك إلى غموض طبيعة مهام هذه القوة، وحدود عملها، وقواعد الاشتباك الخاصة بها، وهي أمور لم تُحسم أو توضح في أي وثيقة رسمية متعلقة بالاتفاق.
وشدد على أن موقف حماس واضح، ويتمثل في حصر دور أي قوة دولية محتملة في الفصل بين الأطراف، ومراقبة وقف إطلاق النار، ورفع التقارير، ومنع التصعيد، دون أي تدخل في الشأن الداخلي لقطاع غزة أو الإدارة الفلسطينية.
حكومة التكنوقراط
وفيما يتعلق بلجنة أو حكومة التكنوقراط، أوضح نعيم أن حركة حماس انخرطت في هذا المسار منذ أغسطس 2024، عقب طرح مصري لتشكيل جسم إداري من شخصيات مستقلة وغير حزبية لإدارة قطاع غزة، ووصف الحوارات التي جرت مع الجانب المصري والفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، بأنها إيجابية وبناءة، وأسفرت عن بلورة تصور متكامل لمهام هذا الجسم وحدود صلاحياته، إضافة إلى مناقشة قائمة تضم نحو 45 اسمًا مرشحًا لتولي مهامه.
تعطيل سياسي ثم أمني
وأشار نعيم إلى أن هذا المسار تعرض للتعطيل في بدايته من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله، رغم ما قدمته حماس من مرونة بما في ذلك قبول أن تكون مرجعية الجسم للسلطة، وأن يرأسه وزير من حكومة رام الله، وأن يصدر مرسوم رئاسي بتشكيله، وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي عاد لاحقًا ليعرقل هذا التوجه مما أبقى الملف معلقًا حتى اليوم.
ميامي مجددًا
وأكد نعيم أن لقاءات ميامي بين الوسطاء والطرف الأميركي أعادت ملف حكومة التكنوقراط إلى الواجهة باعتباره أحد العناوين الرئيسية، مشيرًا إلى وجود توافق بين الوسطاء على ضرورة الإسراع في تشكيل هذا الجسم الفلسطيني وتمكينه من استلام مهامه في غزة، بما يشمل الملفات المدنية كافة، وحتى الأمن المدني والمعابر.
وشدد على أن الثابت الأساسي لدى حماس هو رفض أي شكل من أشكال الوصاية أو التدخل الخارجي، مؤكدًا أن الفلسطينيين وحدهم من يملكون حق إدارة شؤونهم.
ترحيب بموقف الجنائية الدولية
وفي سياق آخر، رحب نعيم بموقف المحكمة الجنائية الدولية الرافض لوقف التحقيق في جرائم الإبادة المرتكبة في غزة، وعدم خضوعها للضغوط والابتزاز الأميركي، واعتبر أن هذا الموقف يعزز مسار العدالة الدولية، ويمنح الأمل للضحايا الفلسطينيين بإمكانية محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو وأركان حكومته.
عزلة دولية متنامية للاحتلال
وأشار نعيم إلى أن الاحتلال الإسرائيلي بات يعاني عزلة دولية متزايدة، لم تعد خافية على أحد، سواء على المستوى الأممي أو الدولي العام وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها، ولفت إلى مظاهر متعددة لهذه العزلة من بينها انسحاب دول من فعاليات ثقافية أوروبية، ومنع رسو سفن إسرائيلية محملة بالسلاح، إضافة إلى تبرؤ أعداد متزايدة من السياسيين الأميركيين من تلقي دعم اللوبي الصهيوني.
تحول جيلي في الولايات المتحدة
وأضاف أن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تشير إلى تحول جيلي واضح لصالح القضية الفلسطينية، ورفض متزايد لتدخل اللوبي الصهيوني في الشأن الأميركي الداخلي، واستشهد باستطلاع حديث أظهر أن 53% من شباب الحزب الجمهوري يرفضون هذا التدخل.
واختتم نعيم بالتأكيد على أن هذه المؤشرات تعكس تحولًا استراتيجيًا عميقًا ومستدامًا، وإن كانت ثماره السياسية تحتاج إلى وقت، وشدد على ضرورة أن يواكب الفلسطينيون هذه التحولات بخطة عمل شاملة ومنظمة تستثمر تراجع الدعم الخارجي للاحتلال خاصة الأميركي، مؤكدًا أن استمرار الاحتلال بات مرهونًا بهذا الدعم وأن أي تراجع فيه سوف يضعف قدرته على الاستمرار.
