البوابة 24

البوابة 24

معوقات تهدد التغيير عبر الانتخابات

مهند عبد الحميد
مهند عبد الحميد

بقلم: مهند عبد الحميد

عندما يحين أوان الانتخابات تبزغ فرص التغيير للأحسن، والتغيير للأسوأ، أو تثبيت ما هو قائم. يرتفع سقف التوقعات او يهبط، ذلك الحال يقترن بتوفر إرادة تغيير عند القوى والعناصر الحية، او بغياب تلك الإرادة. في كل الأحوال تُطرح كل القضايا الساخنة على بساط البحث، ويتعرف الناس على واقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لا شك ان الانتخابات بمضمونها الإيجابي لا تجترح معجزات ولا تسفر عن تحولات دراماتيكية، كونها لا تنفصل عن السيرورات والتراكمات القائمة. اذا انتقلنا الى الملموس سيصدم المرء من كم القضايا الكبيرة التي تحتاج الى حلول بفعل التأجيل المتواصل الذي يبرر بالمؤقت والانتقالي، وقد اعتدنا على ثقافة كل شيء مؤقت، بانتظار حلول لا تأتي، ويتحول المؤقت الى دائم، كاتفاق اوسلو واتفاق باريس، ومع هذا التحول يحضر الإحباط والشك وتتلاشى الثقة. إذا أردنا تجاوز حالة الإحباط والبحث عن حلول او وضع بدايات لحلول فهذا يتطلب التوقف عند العوامل المعيقة القائمة او التي ستتدخل سلبا في الانتخابات.
التدخلات الخارجية تشكل العائق الأكبر، فنحن في فلسطين من اكثر الأماكن عرضة للتدخلات التي تبدأ بسلطات الاحتلال وتمتد للإقليم وأوروبا وأميركا. كل طرف يريد السيطرة او استخدام الورقة الفلسطينية لخدمة أجنداته. سلطات الاحتلال من المحتمل ان تؤثر في الانتخابات بمنع إجرائها في القدس، واذا لم يتم تجاوز هذا العائق فإن انتخابات بدون مدينة القدس تفقد مبررها لأنها تتعايش مع إزالة مدينة القدس عن الطاولة كما قال دونالد ترامب. والتجاوز هنا يكون بضغط من إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي لإلزام سلطات الاحتلال بإجراء الانتخابات في مدينة القدس كما حدث في الانتخابات السابقة، او بلجوء السلطة الى أشكال انتخابية تتجاوز المنع الإسرائيلي. كما ستلعب دولة الاحتلال على «شرعية « حماس اذا ما تشاركت مع فصائل المنظمة او فازت بأكثرية مقاعد المجلس التشريعي. في هذه الحالة ستعيد دولة الاحتلال طرح إملاءاتها على حركة حماس ولن تتورع عن ممارسة التخريب بتعطيل نتيجة الانتخابات، وفرض حالة من الانقسام بين الضفة والقطاع. إزاء ذلك، أعتقد ان الموقف الفلسطيني الموحد الذي يحترم نتيجة الانتخابات يستطيع التغلب على التدخل الإسرائيلي. الموقف الإسرائيلي يتلاعب في الشأن الفلسطيني من موقع غطرسة القوة، فهو من جهة يستخدم الانقسام في التحلل من العملية السياسية ومن جهة اخرى يعمل على إدامة فصل القطاع عن الضفة. وهناك تدخلات إقليمية أخرى أبرزها تدخلات المال والمرجعيات السياسية التي تترك بصماتها على مواقف بعض التنظيمات والحركات في الشأن السياسي لجهة الموافقة او الاعتراض على البرنامج الوطني المشترك، ولجهة الخروج الكامل من مسار اوسلو او ربط الخروج بالانتقال الى مرحلة «الدولة»، وقد يؤدي هذا النوع من التدخل الى الامتناع عن خوض الانتخابات. يهم إدارة بايدن ومصر والأردن ودول الخليج فوز الاعتدال الفلسطيني الذي لا يقطع مع الموقف الرسمي العربي وحلفاء إسرائيل الجدد. ويهم دول قطر وتركيا وايران فوز قوى الرفض التي تمثلها حركة حماس؛ او امتناعها عن خوض الانتخابات وتعطيلها.
البنيات السياسية والاجتماعية هي العائق الداخلي الأهم في كبح التغيير الايجابي عبر الانتخابات. كون هذه البنيات هي المرشح الأقوى والأوفر حظا في تقديم المرشحين وفي دعم فرص فوزهم. ولهذه البنيات معايير متأخرة. مثلاً؛ بنية التنظيم السياسي مؤسسة على الولاء والمزيد من الولاء، وفي حضور الولاء تغيب الكفاءة والمصداقية اللتين تحتاجهما المؤسسة والمجتمع على حد سواء. ولا يهم الموالون فيما إذا كانوا قادرين على كسب ثقة المجتمع أم لا، فقط؛ يهمهم التنافس على المقاعد والصعود بأي ثمن. إن سياسة الولاء مقابل الصعود الى المراكز القيادية، غالباً ما يحدث شرخاً في قاعدة المجتمع، ويؤدي في الأغلب الى نفور المواطنين من الموالين. ولا يمكن تبرير التجديد للموالين بالمنافسة مع مرشحي تنظيم آخر قد يجلب فوزهم حصاراً وأزمات معيشية. هذا التبرير لا يتوقف عنده الأكثرية الساحقة من الناخبين الذين لا يتوانون عن معاقبة الموالين بحجب الأصوات عنهم.
 المشكلة الأخرى الناجمة عن البنيات السياسية، تظهر في صيغة ترشح أعداد كبيرة من التنظيم خارج قوائمه وفي مواجهتها وعلى حسابها، متجاوزين بذلك لوائح تنظيمهم. أو في صيغة ترشح كتلة باسم «الاتجاه الإصلاحي في فتح « في مواجهة تنظيم فتح وعلى حسابه، ضاربة بذلك عرض الحائط بلوائح التنظيم الداخلية التي تسمح فقط بقوائم معتمدة من المركز القيادي، ولا تسمح لأعضائه بتلقي الدعم المالي الخارجي ولا باستخدامه لمصلحة أجندات خارجية. من الغريب عدم وجود وضوح تنظيمي في هذا المجال، فلا يوجد تنظيم سياسي في أي مكان في العالم يسمح لأعضائه بالترشح العشوائي وهم على ذمته. في الوقت الذي يستطيع فيه أي عضو واي مجموعة وتيار الاستقالة من تنظيمهم، والتقدم للانتخابات بصورة فردية مستقلة، او باسم تنظيم جديد يحظى بشرعية وفقاً للنظام الفلسطيني. حيث لا تسمح اي حكومة لأي منظمة او تنظيم بدعم خارجي غير معروف ولا مشروع، كما لا تسمح بتوظيف المال لشراء ولاءات مكرسة لخدمة سياسات خارجية. حتى منظمات حقوق الانسان مثل منظمة بيتسيلم الإسرائيلية تطالبها الحكومة بتقديم كشوفات الدعم والجهات الداعمة.
وهنا البنية العشائرية والعائلية التي ادى تراجع التنظيمات السياسية الى صعودها، وتقاسم النفوذ معها بل أصبحت الكفة الراجحة لها في قضايا النزاع الاجتماعي وفي انتخابات المجالس البلدية والقروية، وفي معركة الضمان الاجتماعي. لقد كان لهذه البنية تأثيرات عميقة في ظل سيادة علاقات ما قبل مدنية «الواسطة والمحسوبية والتعصب الديني والجهوي وتغليب التقاليد البالية على النظام والقانون، وممارسة التمييز الذكوري ضد النساء» وغير ذلك. هذه البنية مرشحة للعب دور سلبي في الانتخابات القادمة وتشكل عائقاً أمام التجديد. أمام تماهي التنظيمات السياسية مع البنية العشائرية، وهو أمر مؤسف، تواجه الأجيال الشابة التي تنشد تطوير وتحديث مجتمعها تحدياً كبيراً عنوانه اختراق جدران الوصاية العائلية والعشائرية، بالخروج من وصاية البنية العشائرية وتقديم نموذج لبنية مجتمع مدني تحترم حقوق المواطن وتربط تحررها الوطني من الاحتلال بالتحرر الاجتماعي.
Mohanned_t@yahoo.co

جريدة الأيام