كيف تحولنا من غرف صغيرة إلى شوارع مفتوحة

 بقلم : منى الفارس

قبل ان تنشا وسائل التواصل الاجتماعي كيف كنتم تعرفون اخبار بعضكم البعض؟ كيف كنتم تسترقون المشاهد المحزنة والمفرحة في بيوت معارفكم؟ كيف كنتم تشاطرون اقربائكم واصدقائكم بالمناسبات السعيدة والحزينة؟ كيف كنتم تعرفون ماذا استقبل الاعزاء من هدايا مفرحة ؟ كيف كنتم تعبرون عن ما يغيظكم ويسبب وجع والم وحزناً لكم؟ كيف كنت تردون على الاشخاص اللذين كانوا يسببون الازعاج لكم؟ تلك الاسئلة تساتلتها مع نفسي اولاً.

ومن ثم طرحتها على أصدقائي وصديقاتي إن هذه المقارنة جاءت قبل نشأت مواقع التواصل وبعد نشأتها فكانت الاجوبة معظمها تصب في صالح الحياة قبل نشأتها، وذلك لسوء استخدام تلك المواقع والافراط في استخدامها وانفتاحها على خصوصياتنا وألة الى فتح ابواب حياتنا للملاْ على مصرعيها.

سرحت برهةً ورحلت بفكري الى تلك الأيام الجميلة التي اشاد بها الاصدقاء والصديقات حيث قالوا لي:- " كنا نحتفظ بخصوصياتنا التي لا يعرف بها احداً سوى المقربين جداً اللذين نثق بهم، فعندما يحزن أحدنا ويتضايق من احدِ ما، يختار أقرب الأشخاص لقلبه واكثرهم ثقةً ليبوح له ما يحزنه ويرمي بين يده همومه فيتلقفها الآخر بحب ويدلي له النصيحة ويخفف عنه بكلماته الحانية، اما الان اذا حزنا نفضفض لذلك الجهاز اللعين ونبوح بكل ما يدور في خلجاتنا، حقا نلاقي من يتعاطف معنا ويثري علينا بالكلام المعسول، ولكن لا يخلوا هذا الكم من المعلقين من بعض اصحاب النفوس البغيضة اللذين يصطادون فرحنا كما يصطادون حزننا.

فسرعان ما يعملون الحفظ لكلامنا ويبدؤون بتوزيعه على كل من يردون إيصاله لهم، ليعلموهم بماذا نفكر وما الذي يزعجنا وذلك من باب ايصال المعلومة ولإشعال الفتن ويكونوا بذلك كمن يشعل النار في الهشيم، مقابل ان يتقرب المتصيدين من الشخص الموالين له ".

واما عن خصوصية بيوتنا فحدث عنها ولا حرج، فقد كان كل رجل وامرأة يحفظان خصوصية بيوتهم، بأسدال الستائر على نوافذهم وبناء أسواراً تحيط منازلهم، لا يُدخلون بيوتهم إلا الأشخاص اللذين يثقون بهم أشخاصاً يسترونهم. يدخلون بيوتهم عُمياً ويخرجون منها خُرسا.

هذه المقولة تُقال تعبيراُ لستر كل ما تراه في البيوت التي تدخلها، ولأصحابها الذين وثقوا بك وادخلوك منازلهم. أما الان ونحن في عصر المواقع الاجتماعية .

تُصور المرأة او يصور الرجل اقصد اصحاب البيوت ملابسهم التي اشتروها وتعجبهم ويتفاخرون بها، يصورون اثاث بيوتهم، يصورن سفرتهم، يصورون الهدايا التي يجلبها لهم أعزاهم واصدقائهم، كل ذلك تعبيرا للفرح والتفاخر تارةً واثارة الغيض والتباهي امام البعض تارة أخرى.

اصبحت منازلنا مكشوفة رغم حداثة الستائر والاباجورات والاسوار العالية وانظمة الامان التي احدثتها التكنولوجيا . أصبحنا نعرف كل زاوية من زوايا منازل الكثيرين سوآءا من معارفنا او غير معارفنا. أصبحت نساءنا تتشبهُ بعارضات الازياءِ المتعريات تجوب صورهن مواقع التواصل الاجتماعي تتلقفها الاجهزة وتُحملق بها كل العيون الجائعة.

ضاعت حُرمة بيتونا وحُرمة نساءنا وتداخلت العيون في لقمة طعامنا وكُشفت عورتنا وصحة وسعادة ابنائنا فغادرة البركة رزقنا. اصبحت علاقاتنا وهنَ صار من السهل علينا إضافة كم كبير من الأصدقاء الذين لا يربطنا بهم لا قرابة ولا وطنا ولا تجارب مشتركة اصبحوا على اطلاع بكافة تفاصيل حياتنا.

صار سهلا علينا ان نحذف اصدقاءً ونضحي بعلاقاتنا الاجتماعية للمقربين. الى ان وسعت الهوة بيننا، بتنا مقصرين في مناسباتهم الاجتماعية نستخدم المواقع للتهنئة وللتعزية وللاطمئنان على المرضى منهم، بتنا لا نراهم ولا ندخل بيوتهم ولا نسمع اصواتهم حتى عبر الهواتف، واذا حصل واضطررنا لمكالمتهم نلجأ للاتصال المجاني عبر مواقع التواصل، الى ان وصلنا لمرحلة الجفاء واتسعت الفجوة بيننا ونسينا اشكال بعض افراد عائلتنا واذا التقينا بهم صدفةً نحاول جاهدين تذكر أسمائهم ونسالهم عن ابنائهم لنراهم ونتعرف عليهم وعلى اسمائهم.

قالوا لنا أن عالمنا أصبح قرية صغيرة بفضل تلك المواقع، ولكننا نرد عليهم أن بناء تلك القرية نشأ وترعرع على ركام روابطنا العائلية والاجتماعية.

البوابة 24