جنازة على خمسة مذاهب

بقلم: موسى الصفدي

على الرغم من يقينهِ الثابت بان تلك الحالة التي اصابت كل خلية ً من خلايا جسده البدين ذلك الصباح  كانت بسبب وفاتهِ السريريه التي ذكرها تقرير أطباء المشفى الإستثماري الذي ربما لم يعد يملكه كما لم يعد  يملك في حالته تلك و لا  حتى القدرة على تحريك أي عضو من أعضاء جسده البدين المتأكل بفعل من تاثير التقرحات و البكتريا الخبيثة التي بدأت عملها بكل تفاني   .،.،.،

 كان يدرك بأن كل تلك الأشياء التي بدات القيام بدورها الطبيعي في التعامل مع جسده المسجى فوق الاريكة الملكية التي إختفت تحت لحاف ضخم من النباتات و الزهور الطبيعية النادرة التي كان قد أعدها لمناسبة  توريته في ذلك القبر الذي خطط لجعله مقاماً  وعتبة يقصدها كل من كانوا يتنعمون بفُتات ما كان يتركه لهم من النعم و العطايا التي كان يُغدق بها عليه مع سلة لا يستهان بها من أصعب العملات  لا يمكن لها ان تتأثر بما كان يحمله من بطاقات ال V I P   و جوازات السفر الحمراء المتعددة الجنسيات التي لن كان يحملها حتى الدقائق الأخيرة التي تم فيها تجريده حتى من كل تلك الثياب القارية الفاخرة التي كان يرتديها كما لا يمكن أن تستجيب لرغبته أو أوامره بتغيير نمط  سلوكها الوظيفي الذي تقوم من خلاله بإستباحة و تدميرجسده كما تفعل مع كل دابة على الأرض بإستثناء تلك الأجساد التي إستثناها الله و لم يكن هو بأي حال من الأحوال واحدٍ منها  .،.،.،


الأوامر التي تركها للأطباء بكيفية التعامل مع حالته المرضية أُلقيى بها في سلة المهملات من قبل الطبيب الذي تَسلمَها منه بعد ان خرج من الجناح الفاخر الذي خُصص له منذ ان ولدت لديه  الفكرة العبقرية للإسثمار في الصحة الوطنية العامة و بناء المشفى و بعد ان عاينهُ و إكتشف بان مسالة وفاته من الناحية العلمية  هي مسالة حتمية ستتم خلال ساعات على اكثر .،.،.،

كان يدرك بان لحظة الحقيقة و السؤال التي تنتظرهُ مع المَلكين اللذين سيلتقيانه  لا  ينفع معها بأي طريقة من الطرق  كل ما كان عليه من سطوة و علاقات واسعة متنوعة متناقضة مع المراجع الدينية و ــ الأمنوسياسية ــ  التي غررت به تتركته الأن وحيداً لمواجهة مصيره المرعب  دون ان تملك لأمره شيئأ  .،.،.، 
  قبل ان يُسأل عن دينه و إيمانه و نبيهِ كانت تختلط عليه كل تلك الذكريات و الوقائع اللعينة التي بدات تنهال عليه دفعةً واحدة منذ اول جريمة إرتكبها لتثبيت موقعه في مسيرة الكفاح  الثوري  حتى جيش الجرائم البسيطة و المتواضعة التي كان قد  إرتكبها  عبر تلك المسيرة التي أحاط بها على الدوام الكثير من الإثارة و الغموض .،.،.،   

محاولاته اليائسة لمنع هؤلاء البؤساء الأميين ممن كانوا يعملون في مشاريعه  الإستثمارية من العبث بسخريه و استهتار مع جثمانه  في حالته تلك وشت بما كانوا يضمرون له من قلة احترام متناسيين ما كان عليه من سطوة كانت تزرع الرعب في قلوبهم لمجرد ذكر إسمه.،.،.،

لم يعد بإمكانه التخلص مما كان يحمله من أوزار تخطت كل الحدود أو التكفير عن تلك الأثام و الكبائر التي إرتكبها و تم توثيقها  في الحالة الوطنية  كقصائد و معلقات على جدران مقاهي المخيمات و الأزقة .،.،.،

و هم ينظرون إلى الكفن الرسمي المخصص لستر عُريه قبل ذهابه لأخر لقاء له في دنياه المليئة بملايين الخدمات التي قدمها لكل من طلبها منه دون تردد أو تفكير و بعد أن  تاكدوا من كل تفاصل و مراسم الجنازة الباهظة التكالبف و نوعية خيوط الكفن  الذي صنع خصيصا له و أضيفت على اطرافه بشكل مقصود كل رموز و دلالات و مراحل النضال القومي العربي و الإسلامي منذ فتوحات هارون الرشيد حتى إلقاء جثة صبري البنا في مكب قمامة على قارعة طريق شارع منسي في قاع مدينة بغداد عاصمة الوجع العربي  .،.،.، 

كل ذلك لم يمنع طاقم الشيوخ من فئة الخمس نجوم الذين تم إستقدامهم من دول مختلفة المذاهب من التعامل مع الجثمان بكل إعتيادية دون إظهاربعض الخصوصية التي يطلبها الزبون و يدفع من أجلها ولأسباب تتعلق بالعقيدة كما تم ذكره إتفقوا و توحدوا في فتوى واحدة على رفض لف الجثمان بذلك الكفن المبالغ في صناعته  بموقفٍ واحد تم بين شيوخ الطوائف المتناحرة التي تطلب الثار بعضها من بعضها لواقعة حدثت ربما منذ اكثر من ألفي عام و طالبوا بتغييره .،.،.،

بحصيرة بيضاء مبللة تشبه الكفن أستبدل ذلك الكفن الأسطوري الذي اعد له من قبل المكلفون بوضع جثمانه في تابوته الجميل المصنوع من أخشاب نادرة كان قد غَنمها فيما غَنِمهُ من أموال و تحف من حروب اكل الزمان عليها و شرب .،.،.،

بتسارع ملفت و إجراءات استثنائية إقتضتها الظروف تم وضعه بسيارة دفن الموتى المتواضعة و التي كانت علامة فارقة في مراسم دفنه حيث كانت تتقدم أسطول السيارات الرسمية و غير الرسمية الفارهة التي لا تتيح لأحد رؤية من يتقوقع بداخلها ثُبت على مقدمة السيارة التي تقدمت أسطول مشيعيه عبارة أخيرة كان يرددها قبل أن يهرب النفس الأخير من صدره  ــ أهدي موتي هذا لشعبي الثائر العظيم    .،.،.،

ملاحظة ... لم تتاح المشاركة و لا حتى الترحم عليه  في مراسم الدفن لأيٍ من سكان المخيم الذين هم بالأساس قد سبق و غادروه .،.،.،
 
دمشق ــ باب توما

البوابة 24