بقلمالمحامي علي ابوحبله
بعد استعمال أمريكا حق النقض الفيتو ضد قرار في " مجلس الأمن الدولي" يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، يأتي قرار محكمة الجنايات الدولية إصدار أمرَي توقيف بحقّ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت، بشبهة ارتكابهما جرائم حرب، من بينها استخدام التجويع كسلاح ضد الفلسطينيين، وهذا القرار يعكس حالة الهستيريا التي باتت عليه إسرائيل ، وحالة القلق والذعر الأمريكي من تبعات وتداعيات القرار في حين لاقى هذا القرار ترحيب الأمم المتحدة، التي شددت، على لسان المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، على ضرورة " العمل معاً لدعم قرار المحكمة الجنائية الدولية بخصوص مذكرتَي الاعتقال، والحفاظ على شعلة المساءلة مشتعلة" ، مع العلم أن القرار سبقته تهديدات وضغوط تعرّض لها المدعي العام للمحكمة، كريم خان، من قبل واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم الأوروبية، بسبب طلبه من قضاة " الجنائية الدولية"، بدءاً من شهر أيار الفائت، استكمال إجراءات ملاحقة نتني اهو وغالانت ، على خلفية عدة اتهامات، من بينها ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" في غزة. ضمن المعايير المزدوجة جاءت المواقف الصادرة في الولايات المتحدة صادمه ، سواء الصادرة عن إدارة بإيدن المنتهية ولايتها، أو عن أبرز وجوه الجمهوريين المتأهبين للإمساك بزمام البيت الأبيض والكونغرس بمجلسَيه، خلال الشهرين المقبلين. إذ فور صدور القرار ومذكرات الجلب والاعتقال ، سارع الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى انتقاد المحكمة، مجدّداً دعمه لما وصفه بـ" حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" . كذلك، نقلت وسائل إعلام أميركية عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي، تأكيده عدم اعتراف واشنطن باختصاص المحكمة، بينما توعّد مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، مايكل والتز، بـ" رد قوي" على ما سمّاه " تحيّز الجنائية الدولية المعادي للسامية"، بحلول موعد تسلّم الرئيس الفائز لمنصبه، في كانون الثاني المقبل. ورأى والتز أن المحكمة لا تتمتع بأي مصداقية، زاعماً أن إسرائيل " دافعت بشكل قانوني عن شعبها وحدودها ضد الإرهابيين" . بدوره، وصف السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، إعلان المحكمة بـ" المزحة الخطيرة"، معتبراً أنّه " حان الوقت الآن لمجلس الشيوخ الأميركي للتحرك ومعاقبة هذه الهيئة غير المسئولة". في موازاة ذلك صدرت مواقف أوروبيه أكثر توازنا مما عز موقف البعض من المحللين والمتابعين عن عزلة الموقف الأميركي، على خلفية الانحياز الصارخ لإسرائيل، والدعم المستمر لإسرائيل في حربها على غزه ولبنان .وقد صدرت مواقف ايجابيه من دول أوروبيه فقد ، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، إلى أنّ ردّ فعل بلاده على تلك الأوامر سيكون متوافقاً مع مبادئ المحكمة، من دون أن يوضح ما إذا كانت باريس ستعتقل نتنياهو إذا ما وطئ أراضيها، بدعوى أنّ الإجابة عن هذا السؤال " معقّدة" من الناحية القانونية، فيما قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، إن أحكام " المحكمة الجنائية الدولية " ليست سياسية ويجب تنفيذها. وهناك من المواقف الاوروبيه أكثر انسجاما مع ما أدلى به بوريل، ما صدر عن كل من بروكسل وأمستردام وروما، إذ شددت نائبة رئيس الحكومة البلجيكية، بيترا دي سوتر، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّه " يتعين على أوروبا أن تمتثل (لمضمون مذكرتَي الاعتقال)، وتفرض عقوبات اقتصادية، وأن تعلّق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل"، مضيفة أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن تمرّ من دون عقاب. أما وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، فأكد "(أننا) سنعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عند مجيئه إلى هولندا"، وأن بلاده " لن تجري بعد الآن اتصالات غير ضرورية مع نتنياهو. ومن جهته، قال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، إن بلاده ستدرس مع حلفائها كيفية تفسير القرار، معرباً عن دعم بلاده لإجراءات المحكمة التي ينبغي " أن تلعب دوراً قانونياً لا سياسياً". واتفق موقف كل من السويد والنرويج على أنهما ملزمتان بالتعاون مع "الجنائية الدولية" بموجب " نظام روما"، وبالتالي سيتعيّن عليهما تنفيذ أمر الاعتقال. وأكدت وزيرة خارجية السويد، ماريا مالمر ستنيرجارد، أن أوامر الاعتقال "قرار مستقل" للمحكمة، لافتة إلى دعم بلادها " مع الاتحاد الأوروبي العمل المهم للجنائية الدولية، وحماية استقلاليتها ونزاهتها" وأكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن "تنفذ وتحترم" من قبل جميع الدول، موضحا أن القرار "يجب أن يكون رسالة للمجتمع الدولي بالتحرك لوقف المجازر في غزة وإدخال المساعدات لكل قطاع غزة" وشدد على أنه "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يكون انتقائيا في قبول قرارات المحكمة الجنائية الدولية في قضايا معينة ويرفضها في قضايا أخرى". هذا قرار في مضمونه وحيثياته سيكون له تداعيات جديه ّلأنه يفرض على 124 دولة من الدول التي وقّعت على معاهدة روما أن تطبّق جميع قرارات المحكمة، وبخاصة في مسألة الاعتقال، لذلك فإنّ كّل هذه الدول الآن أمام سؤال مهم؛ وهو هل ستعتقل نتني اهو أو غالانت في حال سنحت لها الفرصة، وإذا ما وصلا إليها؟ ويضاف إليها تداعيات على إسرائيل وتماديها في خرقها لكافة القوانين والمواثيق الدولية وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان