وسط انعدام الخصوصية وشح الفوط الصحية.. أول "دورة شهرية".. اختبارٌ صادم لطفلاتٍ في "خيمة"!

post6.jpg
post6.jpg

ملاحظة: الأسماء في التقرير مستعارة لحساسية القضية، وهي معلومة لدى إدارة البوابة 24

غزة/ رشا أبو جلال- البوابة 24

في إحدى زوايا خيمة صغيرة في مركز إيواء بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، انشغلت بسمة (14 عامًا) بتسريح شعر شقيقتها، محاطة بإخوتها الأربعة، الذين يصغرونها سنًا ويعاملونها على أنها أمهم الجديدة.

منذ استشهاد والدتها في آذار/ مارس الماضي خلال غارةٍ إسرائيليةٍ استهدفت مجموعةً من المارّة وسط النصيرات، أصبحت بسمة المسؤولة الرئيسة عن أشقّائِها، مع انشغال والدها الدائم في العمل من أجل توفير لقمة عيشهم.

لكن بسمة التي لا تزال تحتفظ بدميتها، وتتشوق للعب نط الحبال مع صديقاتها في مركز الإيواء، وجدت نفسها أمام تحدٍ جديد، عندما اختبرت "الدورة الشهرية" لأول مرة.

حدث غير مفهوم

تحكي بسمة بصوتٍ منخفض لموقع "بوابة 24": "عندما فقدنا أمي، شعرتُ أن العالم انهار. لم يكن لديّ وقتٌ لأبكي أو أستوعب ما حدث. فجأة، وجدت نفسي مضطرة للاهتمام بإخوتي: الطبخ، والتنظيف، والبحث عن الطعام والماء".

في أحد الأيام، وبينما كانت تغسِل أواني الغداء القليلة، لاحظَت بُقع دم على ملابسها. تقول: "في البداية شعرتُ بالخوف والارتباك، ولم أعرف ما الذي يحدث. لم يكن لديّ أحدٌ لأسأله وشعرت بخجل شديد من إخبار والدي".

في تلك اللحظة، حاولت بسمة تنظيف نفسها بالماء القليل المتوفر في الخيمة، وبعض القطع القماشية البالية، لعدم توفر المناديل الورقية في الأسواق، لكنها لم تعرف كيف تتعامل مع الأمر بشكل صحيح.

بعد تردد طويل، قررت بسمة أن تسأل جارةً لها، فلم تجد أمامها إلا "أم أحمد)، وهي امرأة نازحة تقيم في الخيمة المجاورة.

تصف السيدة، وهي أمٌ لخمسة أطفال، اللحظة التي جاءت فيها بسمة إلى خيمتها، بالقول: "رأيتها تقف على باب الخيمة مترددة وخجلة جدًا. سألتني بصوت يكاد يسمع: "خالتي، ممكن أسألك عن شيء؟".

بعد أن شرحت بسمة لجارتها الموقف، أخذتها أم أحمد جانبًا، وقدمت لها نصائح بسيطة حول كيفية التعامل مع الدورة الشهرية، لكنها أيضًا شعرت بالحزن العميق لأنها لم تستطع أن تقدم لها الكثير.

وتضيف أم أحمد: "نحن الكبار أنفسنا نعاني من نقص الفوط الصحية، ونستخدم وسائل بدائية مثل الأقمشة القديمة".

وقال والد بسمة: "فوجئتُ عندما طلبت مني ابنتي شراء فوط صحية. لقد أدركتُ في تلك اللحظة أنها دخلت مرحلة البلوغ"، مضيفًا: "واقع ابنتي اليوم محزن للغاية. إنها بحاجة إلى الكثير من التوعية بشأن التغيرات الجسدية والنفسية، التي سترافق هذه المرحلة الجديدة من حياتها، لكن لا أدري هل سأستطيع سد الفراغ الذي تركته أمها في هذا المجال أم لا".

وأشار إلى أنه حاول طمأنة ابنته وشجعها على استشارته في مثل هذه الأمور. "لكنها تبدي خجلًا كبيرًا من الحديث معي، وهذا دفعني للجوء إلى عمتها وخالتها، لتقدما لها النصح الدائم".

وإلى جانب مسؤولياتها كأمٍ بديلة، تضطر بسمة إلى مواجهة واقعٍ قاسٍ داخل مركز الإيواء، بسبب قلة الخصوصية التي تجعل من الصعب عليها العناية بنفسها بشكل صحيح، إذ لا يتوفر أي مكان يمكنها فيه الشعور بالخصوصية، أو الراحة في ظل متاعب هذا الطارئ الجديد.

ترفض بسمة واقعها الجديد بأن أصبحت فتاة بالغة بينما لم تعد بعد إلى بيتها، ولم تنتهِ الحرب. تقول: "أريد أن أعود لبيتنا، أن أذهب للمدرسة، وأعيش طفولتي التي فقدتها. أريد أن أكون فتاة عادية مرة أخرى".

ما طرأ على حياة بسمة لم يكن حكرًا عليها فقط، ففي مخيم إيواء آخر قريب، كانت "مرح" (15 عامًا) التي تقضي معظم وقتها في لعب الدُّمى مع من هم في مثل عمرها في المخيم على موعدٍ مع هذه الخبرة الجديدة، في ظل ظروفٍ مأساوية صعبة.

أول مرة

قبل أيامٍ قليلة، جاءت تهرول إلى أمها بعينين مليئتين بالخجل والدموع، ويدها تحاول إخفاء بقع الدم على ملابسها. تقول أمها: "كانت المرة الأولى التي تختبر فيها الدورة الشهرية".

في البداية، اعتقَدَت مرح أن ما حدث هو إصابة غير مفهومة وسط غارات إسرائيلية لا تهدأ، لكن سرعان ما أخبرتها والدتها أن ما يجري أمر طبيعي يحدث مع من هنّ في مثل سنها من الفتيات.

"شعرتُ بالخجل الشديد"، تحدثنا مرح، وتتابع: "في البداية لم أستطع أن أخبر أمي لأن الخيمة صغيرة والجميع يسمعنا. كيف يمكنني أن أشرح لها وأنا لا أملك حتى شيئًا لتنظيف نفسي؟".

تعيش أسرة مرح، المكونة من ثمانية أفراد، في خيمة واحدة بالكاد تكفيهم. لا توجد أبواب أو جدران توفر الخصوصية، ولا حمام خاص لتلبية الاحتياجات الأساسية. عندما حاولت تنظيف نفسها باستخدام الماء، اكتشفت أن الموجود لا يكفي حتى للشرب.

تقول والدتها: "عندما جاءتني ببقع الدماء أُصبت بصعقة وصدمة. لقد اعتقدتُ أنها أصيبت بقصف، لكن سرعان ما تبين أنها أصبحت فتاة بالغة".

وأضافت: "كنت أعرف أن هذه اللحظة ستأتي، لكننا في ظروف صعبة للغاية. لا نملك المال حتى لشراء الفوط الصحية، وأسعارها مرتفعة جدًا".

ارتفاع أسعار الفوط الصحية جعلها رفاهية لا يمكن لمعظم النازحين تحمّلها. كان الحل الوحيد هو استخدام قطع قماش متكررة الاستعمال، وغسلها في كل مرة، مما زاد من معاناة الفتاة جسديًا ونفسيًا.

تعاني مرح من ضغوط كبيرة، تبرز مع شعورها بالخجل من الحديث عن دورتها الشهرية، والإحراج من تغيير ملابسها أو غسلها أمام الآخرين، الأمر الذي جعلها تنعزل عن باقي الأطفال.

حدث استثنائي

وأكدت الأخصائية الاجتماعية سامية الكرد، التي تعمل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وتشرف على مخيمات الإيواء، أن الدورة الشهرية الأولى تمثل حدثًا مهمًا في حياة أي فتاة، لكنها تصبح أكثر صعوبة في ظل الحرب والنزوح وفقدان الأم.

وأوضحت الكرد في حديثها لـ"بوابة 24" أن غياب التوعية والدعم النفسي يجعل الفتيات النازحات يعانين من صدمة نفسية كبيرة، خاصة مع غياب الخصوصية في المخيمات.

وأشارت إلى أن نقص الموارد الأساسية مثل الفوط الصحية، يدفع الفتيات لاستخدام وسائل غير صحية مثل الأقمشة البالية، مما يزيد من الضغوط النفسية والجسدية، ويسبب لهن الالتهابات والأمراض.

وأضافت الكرد: "الخوف المستمر من القصف والموت يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، مما يعمق معاناة الفتيات اللواتي يختبرن هذه التجربة لأول مرة دون دعم أو توجيه".

ونصحت الأخصائية الاجتماعية الفتيات بعدم التردد في طلب المساعدة من النساء أو العاملات في المجال الإنساني، مع الحرص على النظافة باستخدام الماء والصابون والأقمشة النظيفة كبديل للفوط الصحية، مشددة على ضرورة تمهيد الأمر لهن من خلال الأمهات، أو البديلات القريبات كالعمّات والخالات في حالة فقدان الأم، مع بداية عمر البلوغ، "ومن ثم دعمهن نفسيًا وإرشادهن وتوعيتهن لطريقة التعامل مع هذا الطارئ بالمتوفر؛ كي يستطعن تخطي التجربة، في ظل الواقع الصعب الذي أفرزته الإبادة" تكمل.

ودعت الكرد المؤسسات الإنسانية إلى توفير الفوط الصحية ضمن المساعدات الأساسية؛ لتخفيف معاناة الفتيات والنساء عمومًا في قطاع غزة، الذي يعيش "الإبادة" منذ أكثر من 14 شهرًا.

البوابة 24