بقلم: فادي أبو بكر
الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بقضيته العادلة، لا سيّما في الوقت الراهن في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة التي تستهدف أهل غزة، والاعتداءات المتواصلة على القدس والضفة الغربية، حيث تصبح الوحدة الوطنية ضرورة لا غنى عنها لضمان الصمود والبقاء، بل وحتى الخيار الوحيد الذي يمكن من خلاله حماية المشروع الوطني الفلسطيني من محاولات الاحتلال الهادفة إلى تفتيته وضرب النسيج الاجتماعي الذي ظل حصناً منيعاً أمام المؤامرات. لقد قادت حركة فتح المشروع الوطني منذ انطلاقتها، مقدمةً التضحيات من الشهداء والجرحى والأسرى، وظلّت على مدى العقود رمزاً للنضال الوطني الفلسطيني، غير أن هذه الحركة تواجه اليوم تحديات داخلية وخارجية تهدف إلى النيل منها وإضعاف المشروع الوطني الذي تمثله. فالاستهداف الممنهج لحركة فتح لا يعني المساس بحركة وطنية تحررية بعينها فحسب، بل هو استهداف للقضية الفلسطينية بأكملها، ومحاولة لضرب الجذور الراسخة لنضال شعبنا من أجل الحرية والاستقلال.
ومع ذلك، فإن فتح مطالبة اليوم بالتصدي لهذه التحديات من خلال قيادة جهد وطني جامع يعيد توحيد الصف الفلسطيني. يتّسم الوضع الداخلي الفلسطيني بالانقسامات التي أضحت أداة بيد الاحتلال وأعوانه لإضعاف الجبهة الوطنية. ولم تعد هذه الانقسامات مجرد اختلافات سياسية، بل تجاوزت ذلك إلى مستوى يهدد المشروع الوطني الفلسطيني برمّته، في ظل الحملات الممنهجة التي تستهدف السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية. ينبغي أن ندرك أن هذه المؤسسات هي نتاج نضال طويل خاضه الشهداء الأوائل، وهي ضرورة لبناء الدولة الفلسطينية المستقبلية التي نصبو إليها، وقد تجاوز الهجوم على هذه المؤسسات حدود النقد المشروع، ليصبح أداة في يد الاحتلال لإضعاف الحلم الفلسطيني وخلق حالة من الفوضى تخدم أجنداته. إن الشعب الفلسطيني، الذي أثبت قدرته على الصمود أمام كل المؤامرات، يدرك أن الوحدة الوطنية هي سبيله الوحيد للبقاء، وهذه الوحدة تتطلب حواراً جدياً بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية للوصول إلى استراتيجية موحّدة تعزز المقاومة بكل أشكالها وتواجه الاحتلال بأقصى درجات القوة والتماسك. إن المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، رغم قسوتها، لم تنجح يوماً في كسر إرادته، لكنها كشفت أن غياب الموقف الفلسطيني الموحد هو من أبرز أسباب استمرار الاحتلال في تنفيذ مخططاته دون رادع. ولهذا، يجب أن يكون العمل على تجاوز الخلافات الداخلية أولوية قصوى، لأن القضية الفلسطينية أكبر من أي خلاف داخلي، وكل دم فلسطيني يُسفك في صراعات جانبية هو هدر يخدم الاحتلال بشكل مباشر.
رغم التحديات الإقليمية والدولية، تظل هناك فرصة حقيقية لإحياء المشروع الوطني الفلسطيني، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية صادقة وتضحية من أجل الوطن. وفي الوقت الذي يتصاعد فيه التغوّل الإسرائيلي، يجب أن يبقى الهدف واضحاً أمام الجميع: إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال. يظل حل الدولتين، رغم كل العقبات التي تواجهه، الإطار الأكثر قبولاً دولياً لتحقيق السلام، لكن استمراره يعتمد على وحدة الصف الفلسطيني وقدرته على مواجهة التحديات الميدانية والسياسية.
ويجب أن يكون أي مسار سياسي مستقبلي مستنداً إلى مبادئ واضحة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والمساواة، مع توفير ضمانات دولية لتنفيذ أي اتفاق. الوحدة الوطنية ليست شعاراً يرفع في المناسبات فحسب، بل هي شرط أساسي لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال. ولا شكّ في أن شعبنا الذي قدّم تضحيات جسيمة على مدى عقود، قادر على إفشال كل المؤامرات إذا ما توحّدت صفوفه وابتعد عن الفتن الداخلية التي يسعى الاحتلال إلى زرعها. يؤكّد الصمود الفلسطيني رغم كل المعاناة، على أن الإرادة الجماعية قادرة على تخطي كل العقبات. وما نحتاجه اليوم هو العمل الجاد، والتكاتف، ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ففلسطين تستحق منا أن نكون جميعاً على قدر المسؤولية، وأن نعمل من أجل تحقيق حلم الحرية الذي ظل حياً في قلوب الأجيال.
عاشت فلسطين حرة أبية، وعاش شعبها الصامد في وجه الاحتلال وكل المتآمرين. فادي أبو بكر كاتب وباحث فلسطيني [email protected]