أوضح الكاتب والمحلل السياسي التركي، إسماعيل ياشا، أن تركيا تعارض بشدة تهجير سكان قطاع غزة، لكنها في الوقت ذاته لن تتخذ موقفًا يتماشى مع تطلعات المعارضة التركية، حتى لو سعى حزب الشعب الجمهوري لاستفزاز الرئيس رجب طيب أردوغان ودفعه لاتخاذ رد فعل أكثر حدة تجاه خطة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.
وفي مقال نشره بصحيفة "عربي21"، أشار ياشا إلى أن أنقرة سوف تتحرك لإفشال المخطط الأمريكي دون الدخول في مواجهة مباشرة مع ترامب عبر تصريحات حادة، بل ستسعى إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية، لدعم إعادة إعمار غزة ومساندة سكانها، وذلك بالتنسيق مع الدول العربية والإسلامية والأوروبية التي تعارض المشروع الأمريكي.
كما أكد أن تركيا سوف تواصل جهودها في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية، مع العمل على تكريس حقهم في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة الكاملة.
اقرأ أيضًا:
- "ضم غزة إلى تركيا".. اقتراح داود أوغلو يشعل التواصل (تفاصيل)
- التعليم العالي تعلن عن منح دراسية في بريطانيا وتركيا وكوريا الجنوبية
تحليل الموقف التركي
في سياق آخر، يتبنى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تصريحات مثيرة للجدل فيما يتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، مشيرًا إلى ضرورة تهجير سكانه كجزء من هذا المخطط، وتتعارض هذه الرؤية الأمريكية مع الموقف التركي الراسخ تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أن أنقرة تدعم حقوق الفلسطينيين وترفض وصف حركة "حماس" بأنها منظمة إرهابية، بل تراها حركة تحرر وطني، وبالتالي، لا يمكن لتركيا بأي حال أن تقبل بهذه الخطة أو تلتزم الصمت تجاهها.
وقد انعكس هذا الموقف الرسمي التركي في تصريحات المسؤولين الأتراك الذين شددوا على رفضهم المطلق لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة تحت ذريعة إعادة الإعمار، وبدلًا من ذلك، ترى تركيا أن الحل الحقيقي يكمن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة التي يعيش فيها بحرية وكرامة.
موقف أنقرة الرسمي
وفي أول تعليق رسمي على تصريحات ترامب، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن تهجير سكان غزة أمر غير مقبول بالنسبة لتركيا، ولا يمكن لأي دولة في المنطقة أن تقبل به، مشيرًا إلى أن مجرد التفكير في هذا السيناريو هو ضرب من العبث.
وأعقب ذلك موقف أكثر حدة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث صرح خلال مؤتمر صحفي عقده في مطار أتاتورك قبيل توجهه إلى جولة آسيوية، قائلًا: "لا يمكن لأي قوة أن تجبر الفلسطينيين على مغادرة وطنهم الأبدي، الذي سكنوه منذ آلاف السنين."
وفي محطة أخرى من جولته، وتحديدًا خلال زيارته إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور، شدد أردوغان على أن إسرائيل لا تلتزم بتعهداتها في اتفاق وقف إطلاق النار، معتبرًا أن الحل يكمن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي لحقت به.
استغلال المعارضة التركية للقضية الفلسطينية
من جهة أخرى، تحاول المعارضة التركية، ممثلة بحزب الشعب الجمهوري، الضغط على أردوغان لاتخاذ موقف أكثر تصعيدًا ضد ترامب، متهمة إياه بعدم الدفاع بالشكل الكافي عن حقوق الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، هاجم رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، أردوغان بسبب عدم ردّه القوي على تصريحات ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع الرئيس الألماني فرانك شتاينماير في أنقرة، كما واصل انتقاداته خلال كلمة ألقاها أمام نواب حزبه، متهمًا أردوغان بأنه يهاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة، لكنه لا يتجرأ على توجيه انتقادات مماثلة للرئيس الأمريكي.
لكن المتابعين للشأن السياسي التركي يدركون أن انتقادات حزب الشعب الجمهوري لأردوغان في هذا السياق لا تنبع من حرصه الحقيقي على القضية الفلسطينية، بل تأتي في إطار محاولاته السياسية لاستفزاز الرئيس التركي وإجباره على اتخاذ موقف أكثر حدة ضد ترامب، مما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وهو ما قد يصب في صالح المعارضة داخليًا.
والدليل على ذلك أن الحزب نفسه يصف حركة "حماس" بالإرهابية، بل إن أعضاءه في المجلس البلدي لمحافظة إسطنبول رفضوا إرسال مساعدات إنسانية إلى غزة في وقت سابق، ما يكشف عن ازدواجية في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية.
كيف ستتعامل تركيا مع خطة التهجير؟
على الرغم من رفض تركيا القاطع لمخطط تهجير الفلسطينيين من غزة، إلا أنه من غير المتوقع أن يكون ردها على خطة ترامب بالحدة التي تطمح إليها المعارضة التركية، فمن المرجح أن تركز أنقرة على اتباع استراتيجية دبلوماسية نشطة بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية والأوروبية التي ترفض الخطة، مع تعزيز جهودها في دعم إعادة إعمار غزة والدفاع عن حقوق الفلسطينيين في الساحات الدولية.
إضافة إلى ذلك، هناك تقارير تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطًا على كل من الأردن ومصر، بهدف دفعهما إلى المشاركة في تنفيذ خطة التهجير من خلال استضافة بعض سكان غزة، وفي هذا الإطار، أعلنت القاهرة عن استضافة اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مباشرة بعد انعقاد القمة العربية الطارئة المقررة في 27 فبراير، وذلك بهدف صياغة موقف عربي وإسلامي موحد ضد المشروع الأمريكي.
ومن المؤكد أن تركيا سوف تدعم هذا التحرك، وستعمل جنبًا إلى جنب مع الدول العربية والإسلامية الرافضة للخطة، في سبيل الحفاظ على حقوق الفلسطينيين والتأكيد على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بدلًا من البحث عن حلول بديلة تقوم على التهجير القسري.