انقطاع الإنترنت في غزة.. عزل رقمي تحت القصف

انقطاع الانترنت عن غزة
انقطاع الانترنت عن غزة

البوابة 24 / ميسون كحيل

مع بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، لم تقتصر الهجمات على الأجساد والمباني، بل طالت أحد أخطر أدوات البقاء والتوثيق: الإنترنت والاتصالات.
في ليلة الجمعة 27 أكتوبر، انقطعت غزة عن العالم بشكل شبه كلي، دون اتصال، دون صوت، ودون قدرة على النجدة.
لم يكن ذلك نتيجة خلل أو ظروف طارئة، بل بفعل قرار إسرائيلي مدروس لعزل قطاع غزة رقميًا، بالتزامن مع تصعيد عسكري غير مسبوق.

الاحتلال يقطع الإنترنت بالكامل

يسيطر الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه كلي على البنية التحتية لقطاع الاتصالات في فلسطين، ويُمرّر خدمات الإنترنت الدولية عبر شبكاته. وفي 27 أكتوبر، استخدم هذه السيطرة لفصل القطاع عن العالم، ما أدى إلى انقطاع تام للإنترنت وشبكات الجوال والاتصال الأرضي.

منظمة NetBlocks العالمية، التي ترصد حركة الإنترنت حول العالم، أكدت أن الانقطاع في غزة كان "كليًا تقريبًا، ويُعد من الأوسع والأطول في مناطق النزاع في السنوات الأخيرة"، مشيرة إلى أن "العزل الرقمي يبدو جزءًا من تكتيك عسكري لإخفاء ما يحدث ميدانيًا".

الاحتلال يعزل غزة رقميًا: تحكم كامل بالبنية التحتية

لم يكن انقطاع الإنترنت والاتصالات خلال الأيام الأولى من الحرب ناتجًا عن خلل فني، بل كان قرارًا إسرائيليًا متعمدًا.
ففي مساء الجمعة 27 أكتوبر 2023، قطعت إسرائيل الإنترنت عن غزة بشكل شبه كامل، في عملية عزل رقمي تزامنت مع أوسع هجوم بري وجوي منذ بداية العدوان. استمر هذا الانقطاع حتى الأحد 29 أكتوبر.

خلال تلك الأيام الثلاثة فقط، وثّقت وزارة الصحة في غزة استشهاد أكثر من 1,100 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 2,800، في ظل انعدام الاتصالات، مما صعّب عمليات الإنقاذ والتوثيق.

منظمة NetBlocks أكدت أن الانقطاع "يُعد من الأوسع والأطول في مناطق النزاع في السنوات الأخيرة"، واعتبرته منظمات حقوقية أداةً لإخفاء المجازر والتعتيم الإعلامي، في خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني.

"لا كهرباء، لا هاتف، لا أمل"

روى نازحون وعائلات قصصًا مروعة عن لحظات عاشوها تحت القصف بدون وسيلة تواصل. تقول أم رامي، من حي الشجاعية: "أُصيب ابني بشظايا، لم أستطع الاتصال بالإسعاف، ولم يعرف أحد كيف يصل إلينا. صرخت كثيرًا في الظلام، ولم يأتِ أحد. مات بين يدي."

وقالت سارة، صحفية مستقلة: "كان يمكنني سماع القصف، ورؤية الدخان، لكنني لم أستطع إيصال أي شيء للعالم. شعرت بأنني محاصرة داخل صمت قاتل."

تعطيل الحياة الإنسانية والإغاثية

لم يكن الانقطاع مجرد أزمة اتصالات، بل شللاً إنسانيًا تامًا. عجزت فرق الإسعاف والإغاثة عن التنسيق، وتوقفت خطوط النجدة، وتعطلت غرف العمليات الإنسانية. كما تعذر على الإعلام المحلي والدولي الحصول على المعلومات، ما أعاق تغطية المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان.

وأكدت منظمة العفو الدولية أن هذا الانقطاع "يُعد انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني"، حيث يُفترض أن تكون الاتصالات متاحة لأغراض إنسانية في زمن الحرب.

صمت دولي وشركات كبرى تتجاهل

في الوقت الذي انقطع فيه 2.3 مليون إنسان عن العالم، التزمت شركات التكنولوجيا والاتصالات العالمية، المزودة للربط الدولي، صمتًا مطبقًا. لم تُصدر "Orange" أو "Bezeq" الإسرائيلية أي تعليق، ولم تبادر أي شركة دولية لمحاولة دعم الاتصالات في غزة، حتى عبر الأقمار الصناعية.

الإنترنت سلاح جديد: القصف الصامت

بدا واضحًا أن قطع الإنترنت لم يكن عارضًا، بل أداة حربية موازية للقصف الميداني. وقد وصف باحثون ومؤسسات حقوقية هذا التكتيك بأنه "جزء من جريمة أكبر لإخفاء الإبادة الجماعية"، ما يُعيد تسليط الضوء على ضرورة إدراج حرمان الشعوب من الاتصال ضمن جرائم الحرب الحديثة.

حين يُقطع الصوت، يُقتل الأمل

انقطاع الإنترنت عن غزة في بداية الحرب شكّل فصلًا قاسيًا في سجل الانتهاكات التي تُرتكب بحق المدنيين. عزلٌ تام، في قلب مجازر، دون شهود. في عالم لا يُصدّق إلا الصورة، ولا يتفاعل إلا مع الصوت، كان انقطاع الشبكة حكمًا بالإعدام على الحقيقة.

لقد دُفنت الشهادات تحت الركام، ليس فقط بفعل القذائف، بل بصمت تكنولوجي فرضه الاحتلال... ولا يزال العالم يراقب.

البوابة 24